مشروعية صلاة الليل في الإسلام
صلاة قيام الليل تعتبر من النوافل العظيمة في الدين الإسلامي، وهي سنة مؤكدة حث عليها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. وقد وردت أدلة كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تدل على أهمية هذه الصلاة وفضلها الكبير.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى بها نبيه الكريم في قوله:
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا). [المزمل: 1-4]
كما وصف الله -تعالى- عباده المتقين بأنهم ممن يقومون الليل، وأن قيامهم الليل هو سبيلهم إلى الجنة، حيث قال:
(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). [الذاريات: 17-18]
ويستحب للمسلم أن يختم صلاته بالليل بصلاة الوتر، اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال:
(اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا). [رواه البخاري]
وفي صحيح مسلم، روى النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ). [رواه مسلم]
كما حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، وصلاة الليل والناس نيام، للفوز بالجنة:
(يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ). [رواه الألباني في صحيح ابن ماجه]
وقد أجمع العلماء، منهم ابن حزم وابن حجر والنووي وابن عبدالبر، على أن قيام الليل سنة في حق جميع المسلمين.
ما المقصود بقيام الليل؟
القيام في اللغة يعني الوقوف، بينما الليل هو الفترة الزمنية الممتدة من غروب الشمس حتى طلوع الفجر الصادق. أما في الاصطلاح الشرعي، فإن قيام الليل يعني إحياء الليل، أو جزء منه، بالصلاة أو أي نوع آخر من العبادات. لا يشترط أن يكون القيام طوال الليل، بل يكفي قضاء ساعة أو جزء منه في العبادة.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- إن قيام الليل يتحقق أيضًا بأداء صلاة العشاء جماعة، والعزم على أداء صلاة الصبح جماعة. واستدل على ذلك بما رواه مسلم عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
(مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْل، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْل كُلَّهُ). [رواه مسلم]
متى يكون أفضل وقت لصلاة الليل؟
وقت صلاة الليل واسع، كصلاة الوتر وصلاة التراويح، يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العشاء ويمتد حتى طلوع الفجر. ولكن يفضل أداء قيام الليل في الجزء الأخير منه. فقد ورد عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنه قال:
(قلتُ يا رسولَ اللَّهِ أيُّ اللَّيلِ أسمَعُ قالَ جوفُ اللَّيلِ الآخرُ فصلِّ ما شئتَ). [رواه الألباني في صحيح أبي داود]
فكلما كان وقت القيام أقرب إلى آخر الليل، كان الأجر والثواب أعظم. وروى مسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:
(سَأَلْتُ عَائِشَةَ عن عَمَلِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: كانَ يُحِبُّ الدَّائِمَ، قالَ: قُلتُ: أَيَّ حِينٍ كانَ يُصَلِّي؟ فَقالَتْ: كانَ إذَا سَمِعَ الصَّارِخَ، قَامَ فَصَلَّى). [رواه مسلم]
والصارخ في الحديث هو الديك، الذي يصرخ آخر الليل قبل طلوع الفجر. وهذا لمن أراد أن يقوم جزءًا من الليل.
ما هي أبرز فضائل قيام الليل؟
يترتب على قيام الليل العديد من الفضائل العظيمة، منها تحقيق خشوع القلب وخضوعه لله -سبحانه وتعالى-. وقال ابن القيم في ذلك: “فإن أول ما يعطيهم ربهم أن يقذف من نوره في قلوبهم”.
كما أن قيام الليل هو دأب الصالحين، وأهم صفات المتقين. ولذلك أمر الله -تعالى- نبيه محمدًا بأداء قيام الليل لنيل الفضل العظيم والمقام المحمود، حيث قال -تعالى-:
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً). [الإسراء: 79]
بالإضافة إلى ذلك، يعود قيام الليل العبد على الإخلاص في الأعمال والأقوال، ويبعده عن الكبر والرياء. وفي ذلك قال قتادة: “ما نافق من قام الليل”.
ومن الفضائل أيضًا أن قيام الليل من أسباب النجاة من عذاب نار جهنم، والفوز بنعيم الجنة المقيم، ونيل القرب من الله -عز وجل-. قال -تعالى-:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ). [القمر: 54-55]
المصادر والمراجع
- محمد بن إبراهيم التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة.
- صحيح البخاري.
- فتاوى الشبكة الإسلامية.
- صحيح مسلم.
- صحيح ابن ماجه.
- www.dorar.net
- الموسوعة الفقهية الكويتية.
- صحيح أبي داود.
- محمود عويضة، الجامع لأحكام الصلاة.
- محمد حسان، دروس للشيخ محمد حسان.
- كمال بن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة.
- سيد العفاني، دروس الشيخ سيد حسين العفاني.
- سعيد القحطاني، قيام الليل -فضله وآدابه، والأسباب المعينة عليه في ضوء الكتاب والسنة.