مقدمة
إنّ الموت هو الحقيقة التي لا مفرّ منها، وهو سنة الله في خلقه، يصيب كلّ حيّ، ولا يستثني أحداً. وعندما يقع الموت بفقد عزيز أو قريب، فإنّ النفس البشرية تتأثر وتتألم، ويظهر ذلك في صورة حزن وأسى. فما هو الموقف الشرعي من هذا الحزن؟ وهل يجوز للمسلم أن يحزن على فقيد؟ وما هي حدود هذا الحزن؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال.
طبيعة الموت وأثره على المؤمن
الموت هو انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء، وهو قضاء محتوم على كل نفس. ولا شك أن فقد الأحبة مصيبة عظيمة، ولكن المؤمن الحق يتلقى هذا القضاء بالصبر والاحتساب، لعلمه بأن الله تعالى هو مالك الأمر كله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ومن الأمور التي تخفف وقع المصيبة على قلب المؤمن ما يلي:
-
اليقين بأن الموت حق: فالله تعالى قد كتب الموت على جميع خلقه، ولا مفر منه، قال تعالى:
وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ
[فاطر: 11]. -
الإدراك بأن الدنيا دار ابتلاء: فالحياة الدنيا ليست دار نعيم دائم، بل هي دار ابتلاء واختبار، يعرض فيها الإنسان للمصائب والشدائد، قال تعالى:
وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
[البقرة: 155]. -
استحضار الأجر العظيم: الذي أعده الله تعالى للصابرين المحتسبين، ومن ذلك ما جاء في الحديث النبوي الشريف:
إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ.
[رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:1021 ، حسن].
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها.
[رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:918 ، صحيح].
الضوابط الشرعية لإظهار الحزن عند الفقد
لا يُلام المسلم على حزنه الفطري عند موت عزيز عليه، فالحزن شعور طبيعي جُبلت عليه النفس البشرية، وقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على موت ابنه إبراهيم، فقال:
إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ
[رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1303، صحيح].
ولكن، إذا صاحب الحزن أفعال محرمة كالنياحة، ولطم الخدود، وشق الجيوب، فإن ذلك يكون حراماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
ليسَ مِنَّا مَن لَطَمَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعَا بدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ
[رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:1294 ، صحيح].
وفي هذا السياق، يجب التنبه إلى الأمور التالية:
-
يجوز البكاء على الميت بشرط ألا يصاحبه نياحة أو صراخ أو رفع صوت، فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
شَهِدْنَا بنْتًا لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَالِسٌ علَى القَبْرِ، قالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعانِ
[رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1285 ، صحيح]. - الحزن والبكاء لا يتعارضان مع الصبر والرضا بقضاء الله وقدره.
- الحد الأقصى للحزن المشروع هو ثلاثة أيام، كما ورد في السنة النبوية.
أدعية نبوية للمتوفى
هناك العديد من الأدعية المأثورة التي يمكن الدعاء بها للميت، ومنها:
-
ما ثبت عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال:
صلَّى بِنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ على رجلٍ منَ المسلمينَ فسمعتُهُ يقولُ اللَّهمَّ إنَّ فلانَ بنَ فلانٍ في ذمَّتِكَ فقهِ فتنةَ القبرِ – قالَ عبدُ الرَّحمنِ في ذمَّتِكَ وحبلِ جوارِكَ فقهِ من فتنةِ القبرِ – وعذابِ النَّارِ وأنتَ أهلُ الوفاءِ والحمدِ اللَّهمَّ فاغفر لهُ وارحمهُ إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ
[رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن واثلة بن الأسقع، الصفحة أو الرقم:3202 ، صحيح]. -
ما ثبت عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال:
صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى جِنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِن دُعَائِهِ وَهو يقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ
[رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك الأشجعي، الصفحة أو الرقم:963، صحيح].