مقدمة
الدعاء هو جوهر العبادة، وسلاح المؤمن في الشدائد والرخاء. إنه الصلة المباشرة بين العبد وربه، حيث يتوجه إليه بالرجاء والدعاء، طلباً للعون والهداية. وقد حث الإسلام على الإكثار من الدعاء في كل وقت وحين، خاصة بعد أداء الصلوات المفروضة، لما لهذه الأوقات من فضل عظيم وبركة.
حكم الدعاء عقب الصلاة
يرى جمهور العلماء استحباب الدعاء عقب الصلوات المكتوبة للإمام والمأموم والمنفرد. ولم يذكر خلاف معتبر في هذه المسألة. ويستحب للإمام أن يقبل على المصلين ويدعو لهم.
وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على فضل الدعاء بعد الصلاة، وأنه من مواطن الإجابة، فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أسرَّ إلى مسلم بن الحارث -رضي الله عنه- فقال له:
“إذا انصرفتَ من صلاةِ المغربِ فقل قبلَ أن تُكلِّمَ أحدًا: اللَّهمَّ أجرني منَ النَّارِ سبعَ مرَّاتٍ، فإنَّكَ إذا قلتَ ذلِك ثمَّ متَّ في ليلتِكَ كتبَ لَك جوارٌ منها، وإذا صلَّيتَ الصُّبحَ فقل كذلِك، فإنَّكَ إذا متَّ في يومِكَ كتبَ لَك جوارٌ منها”.[2]
كما ثبت من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال:
“قيلَ يا رسولَ اللهِ: أيُّ الدُّعاءِ أسمَعُ؟ قال: جوفَ اللَّيلِ الآخرِ ودُبُرَ الصَّلواتِ المكتوباتِ.”[3]
وذكر الإمام الغزالي أن سبب استجابة الدعاء بعد الصلاة هو أن الله -تعالى- جعل أداء الصلاة في أفضل الأوقات، وبالتالي فإن الدعاء الذي يليها يكون أقرب للإجابة.
نماذج من الأدعية المأثورة
وردت العديد من الأدعية والأذكار التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرص عليها بعد الصلاة، ومنها:
- قراءة المعوذتين، والإخلاص، وآية الكرسي.
- الاستغفار ثلاثاً وقول: “اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ”.[7]
- قول: “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ، وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ”.[8]
- قول: “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، له النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ ولو كَرِهَ الكَافِرُونَ”.[9]
- التسبيح والتحميد والتهليل ثلاثاً وثلاثين مرة لكل منها، ثم قول: “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ”. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل ذلك: “مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْر”.[10]
- الاستعاذة بالله من أربعة أمور: “اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الجُبْنِ، وأَعُوذُ بكَ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وأَعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ”.[11]
- قول: “رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَومَ تَبْعَثُ، أَوْ تَجْمَعُ، عِبَادَكَ”.[12]
- قول: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَسْرَفْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ”.[13]
- دعاء: “اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادتِكَ”. وقد أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.[14]
- قول: “اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الكفرِ والفقرِ، وعذابِ القبرِ”.[15]
- التعوذ بالله من عذاب النار والقبر وفتنة المحيا والممات وشر المسيح الدجال: “اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِن عَذابِ النَّارِ، ومِن عَذابِ القَبرِ، ومِن فِتنةِ المَحيا والمَماتِ، ومِن شَرِّ المَسيحِ الدَّجَّالِ”.[16]
- قول: “لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ، يُحيي ويُميتُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ” عشر مرات بعد صلاة الفجر والمغرب. وقد ورد في فضل ذلك أنه يكتب له عشر حسنات ويمحى عنه عشر سيئات ويرفع له عشر درجات ويكون في حرز من كل مكروه.[17]
أوقات يُستجاب فيها الدعاء
بالإضافة إلى الدعاء بعد الصلوات المكتوبة، هناك أوقات أخرى يُرجى فيها استجابة الدعاء، منها:
- ليلة القدر. وقد سألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما تقول فيها؟ فقال لها النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: “قولي: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمُ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي”.[20]
- جوف الليل، وخاصة الثلث الأخير منه.
- بين الأذان والإقامة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “الدعاءَ لا يُرَدُّ بيْن الأذانِ والإقامةِ؛ فادْعُوا”.[21]
- أثناء السجود، قال الله -سبحانه وتعالى-: “كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب”.[22]
- أثناء الصيام.
- يوم عرفة.
- الدعاء باسم الله الأعظم.
- دعاء المضطر، والمسافر، والمظلوم، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ؛ دَعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ”.[23]
- ساعة الإجابة في يوم الجمعة.
أهمية الدعاء وفضائله
للدعاء فضائل جمة، منها:
- امتثال أمر الله -تعالى-، فقد قال في كتابه الكريم: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”.[28]
- عبادة الله -تعالى-.
- فعل أمر يحبه الله -تعالى-.
- انشراح الصدر.
- جني ثمار الدعاء في الدنيا والآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما مِنْ مُسلِمٍ يَدْعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاهُ اللهُ إِحْدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّلَ لهُ دعوتَهُ، وإمَّا أنْ يدَّخِرَها لهُ في الآخِرةِ، وإمَّا أنْ يصرِفَ عنهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها”.[31]
- صلاح القلوب.
- دفع البلاء قبل وبعد نزوله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الدعاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نزلَ ومِمَّا لمْ يَنْزِلْ، فَعليكُمْ عِبادَ اللهِ بالدعاءِ”.[32]
- سبب الثّبات والنصر على الأعداء، قال الله -تعالى-: “وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ”.[34]
- سلاح المظلوم، ومأوى المكسور.
- تحقيق الإيمان والرشاد، قال الله -تعالى-: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”.[35]
- إجابة الله لمن يدعوه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ ربَّكم تبارَكَ وتعالى حيِيٌّ كريمٌ، يستحيي من عبدِهِ إذا رفعَ يديهِ إليهِ، أن يردَّهُما صِفرًا”.[36]
المصادر
- النووي، المجموع شرح المهذب، بيروت: دار الفكر، جزء 3.
- ابن حجر العسقلاني، تخريج مشكاة المصابيح، عن مسلم بن الحارث التميمي.
- الألباني، صحيح الترمذي، عن أبي أمامة الباهلي.
- مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، جزء 39.
- محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية، جزء 2.
- سعيد القحطاني، الذكر والدعاء والعلاج بالرقي من الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، مكتبة الرشد.
- مسلم، صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين.
- البخاري، صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة.
- مسلم، صحيح مسلم، عن عبد الله بن الزبير.
- مسلم، صحيح مسلم، عن أبي هريرة.
- البخاري، صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص.
- مسلم، صحيح مسلم، عن البراء بن عازب.
- مسلم، صحيح مسلم، عن علي بن أبي طالب.
- شعيب الأرناؤوط، تخريج المسند، عن معاذ بن جبل.
- الألباني، صحيح النسائي، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث.
- شعيب الأرناؤوط، تخريج المسند، عن أبي هريرة.
- الترمذي، صحيح الترمذي، عن أبي ذر الغفاري.
- ابن الإمام (1993)، سلاح المؤمن في الدعاء والذكر (الطبعة الأولى)، دمشق-بيروت: دار ابن كثير.
- سعيد القحطاني، شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير.
- الألباني، صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين.
- شعيب الأرناؤوط، تخريج المسند، عن أنس بن مالك.
- سورة العلق، آية: 19.
- الألباني، صحيح الترمذي، عن أبي هريرة.
- شعيب الأرناؤوط، تخريج المسند، عن أبي هريرة.
- خالد الجريسي، جوامع الدعاء.
- أزهري محمود، طريقك إلى الدعاء المستجاب، دار ابن خزيمة.
- سورة غافر، آية: 60.
- الألباني، صحيح أبي داود، عن النعمان بن بشير.
- شعيب الأرناؤوط، تخريج شرح السنة، عن أبي هريرة.
- شعيب الأرناؤوط، تخريج شرح السنة، عن أبي سعيد الخدري.
- الألباني، صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عمر.
- الألباني، صحيح الترمذي، عن سلمان الفارسي.
- سورة البقرة، آية: 250-251.
- سورة البقرة، آية: 186.
- الألباني، صحيح أبي داود، عن سلمان الفارسي.
- سعيد القحطاني (2009)، الدعاء من الكتاب والسنة (الطبعة الحادية والعشرون)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.