مقدمة
تعتبر صلاة الليل من العبادات العظيمة التي حث عليها الإسلام، وهي فرصة للتقرب إلى الله تعالى والتزود من الخيرات. يثار تساؤل حول جواز أو استحباب أداء هذه الصلاة في جماعة، خاصة خارج شهر رمضان المبارك. هذا المقال يهدف إلى استعراض آراء الفقهاء في هذه المسألة، مع التركيز على الأدلة الشرعية التي استندوا إليها.
حكم صلاة قيام الليل في جماعة خارج رمضان
الأصل في صلاة التطوع أن تُصلى فرادى، إلا ما ورد النص باستحبابه في جماعة، كصلاة التراويح في رمضان. أما في غير رمضان، فقد اختلف العلماء في حكم صلاة قيام الليل جماعة، وإليكم تفصيل آرائهم:
- الحنفية والشافعية: ذهبوا إلى كراهة صلاة قيام الليل جماعة في المسجد خارج صلاة التراويح، ويرون أن الأفضل أداءها بشكل فردي.
- الحنابلة: أجازوا صلاة نافلة الليل جماعة، كما أجازوا أداءها منفرداً، مستندين إلى فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي صلى النفل جماعة وصلاها منفرداً أيضاً.
- المالكية: أجازوا الاجتماع لأداء نافلة الليل إذا كان عدد المصلين قليلاً وفي مكان غير معروف، بينما كرهوا ذلك إذا كان العدد كبيراً والمكان مشهوراً. وفصلوا في قيام ليلة النصف من شعبان وليلة عاشوراء في جماعة، ورأوا أن الاجتماع لهما بدعة.
وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:(فإنَّ أفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ).[1][2]
مسألة أداء صلاة الوتر في جماعة
تعددت آراء الفقهاء في مسألة أداء صلاة الوتر جماعة، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
- الحنفية: يرون جواز أداء صلاة الوتر في جماعة بشرط عدم اعتبارها سنة راتبة، ويستحب أداؤها بعد التراويح في المسجد جماعة، بينما رأى البعض استحبابها في البيت.
- الحنابلة: يرون مشروعية أداء صلاة الوتر جماعة، خاصة بعد التراويح في رمضان، لتحصيل أجر الجماعة، مع تفضيل صلاتها في البيت.
- الشافعية: يرون أن الجماعة في الوتر لا تُسن إلا في رمضان بعد صلاة التراويح.
- المالكية: يرون مشروعية صلاة الوتر في جماعة وإن لم تكن في المسجد، ويستحب أداؤها جماعة في البيت.
ويظهر من هذه الآراء أن هناك سعة في هذه المسألة، وأن الأمر يعود إلى اختيار المصلي، مع مراعاة الأدلة الشرعية والمقاصد الحسنة.
رأي الشريعة في صلاة النوافل جماعة
يجوز أداء صلاة النافلة جماعة بشرط عدم جعلها أمراً راتباً يتم الاعتياد عليه. والأفضل أداء صلاة النافلة جماعة في البيت. وقد استدل العلماء على جواز ذلك بمشروعية صلاة قيام الليل جماعة، ولحديث أنس -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى بهم ركعتَين تطوُّعاً في بيتهم، إذ قال:(قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ).[9]
واستحب ابن تيمية أداء صلاة النافلة جماعة أحياناً، خاصة إذا كانت هناك مصلحة في ذلك، مثل اقتداء الفرد بالجماعة لعدم إجادته الصلاة منفرداً.
وقسم العلماء النوافل إلى نوعين: ما تُسن فيه الجماعة وما لا تُسن. وفيما يلي آراء فقهاء المذاهب الأربعة:
- الشافعية: يرون أن الصلوات التي تُسن لها الجماعة سبع، وهي: صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة التراويح، وصلاة كسوف الشمس، وصلاة خسوف القمر، والوتر عقب التراويح جماعة. أما النوافل التي لا تُسن فيها الجماعة فتشمل السنن التابعة لصلوات الفريضة (السنن الرواتب)، والسنن المستقلة غير التابعة للفرائض كصلاة الليل والضحى وتحية المسجد وغيرها.
- الحنفية: يرون أن النفل نوعان: ما تُسن له الجماعة كالتراويح، وما لا تُسن له الجماعة كصلاة الاستسقاء والخسوف.
- المالكية: يرون أن النوافل التي تُسن لها الجماعة هي: صلاة العيدين، والتراويح، والوتر بعد التراويح، وصلاة الاستسقاء، وصلاتا الكسوفين. ولا يرون الجماعة في غير هذه النوافل.
- الحنابلة: يرون أن النوافل منها ما يُسن أداؤه جماعة ومنها ما يُصلى بانفراد، والأصل في النوافل أنها تُؤدى فرادى، كالسنن الرواتب.
خلاصة
في الختام، يتبين أن مسألة أداء صلاة الليل جماعة خارج رمضان فيها سعة وخلاف بين العلماء، وأن الأمر يعود إلى اختيار المصلي وظروفه، مع مراعاة الأدلة الشرعية والمقاصد الحسنة. والله أعلم.
- ^ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 7290، صحيح.
- ^ مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 154، جزء 27. بتصرّف.
- ^ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 380، صحيح.