مسائل حول قطع صيام النفل

استكشاف مسائل قطع صيام النفل: أحكام الإفطار في صيام النفل، حكم من أكل ناسياً، وما هو صيام النفل.

تقديرات الفقهاء في حكم قطع صيام التطوع

تعددت آراء العلماء في مسألة قطع صيام التطوع، وتفصيل ما ذهبوا إليه يوضحه ما يلي:

الحنفية: يرون وجوب المداومة على الصيام وإتمامه، سواء كان نافلة أو فرضاً، وعدم قطعه بعد البدء فيه حتى نهايته عند غروب الشمس. استدلوا بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾. يرون أن الآية تدل على وجوب إتمام الصيام دون تخصيص الفرض، فالعبرة بعموم اللفظ، ولا يوجد دليل على أن الآية نزلت في صيام الفريضة فقط. لذا، فمن بدأ بصيام التطوع يلزمه إتمامه، وإذا قطعه وجب عليه قضاؤه.

ومع ذلك، لا يعتبر الحنفية قطع صيام التطوع بعد البدء فيه أمراً محرماً، بل مكروهاً؛ لأن الأدلة التي تفيد الكراهة لم تثبت بشكل قطعي. وإذا عرض للمتطوع عذر يجيز قطع صومه، فلا حرج عليه، كأن يدعو المسلم أخاه الصائم تطوعاً إلى طعام؛ فيجوز له قطع صومه قبل زوال الشمس.

الشافعية: يجيزون قطع صيام التطوع بعد الشروع فيه مع الكراهة، ولا يلزم القضاء. استدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “الصائمُ المتطوِّعُ أميرُ نفسِه إن شاء أفطرَ وإنْ شاءَ صام”.

المالكية: يرون حرمة قطع صيام التطوع إلا بوجود مبرر شرعي يستدعي الإفطار، كإجابة طلب الوالدين المشفقين من مواصلة الصيام، أو غلبة العطش الشديد، أو الإكراه على الإفطار، أو خشية الهلاك بسبب المرض. في هذه الحالات، يجوز الإفطار دون قضاء. بينما يكون القضاء واجباً في حالات معينة، كالإفطار بسبب السفر الطارئ، أو الحلف بالطلاق المشروط بالإفطار، شريطة وجود خشية من مفارقة الحالف لزوجته المتعلقة به، فحينئذ يجيب طلبه ويفطر دون قضاء.

الحنابلة: لا يرون وجوب إتمام صيام التطوع لمن بدأ فيه، فمن صام تطوعاً جاز له قطعه والخروج منه، ولا يترتب عليه إثم ولا قضاء. استدلوا بما ورد في السنة النبوية، كما أخرج الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذَاتَ يَومٍ يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ قالَ: فإنِّي صَائِمٌ قالَتْ: فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لكَ شيئًا، قالَ: ما هُوَ؟ قُلتُ: حَيْسٌ، قالَ: هَاتِيهِ فَجِئْتُ به فأكَلَ، ثُمَّ قالَ: قدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا”. ويستحب قضاء التطوع دون وجوبه.

رأي العلماء في حكم من تناول طعاماً ناسياً في صيام التطوع

اتفق جمهور الفقهاء على أن من أكل أو شرب ناسياً في صيام التطوع فصيامه صحيح ولا مؤاخذة عليه. فيما يلي تفصيل الحكم وأدلته الشرعية:

الشافعية: يرون أن الأكل والشرب نسياناً في صيام التطوع لا يفسده.

المالكية: يرون عدم بطلان صيام التطوع بسبب الأكل أو الشرب نسياناً، قياساً على صيام الفريضة. فإذا أكل الصائم ناسياً غير متعمد، فإنه يتم صيامه. استدلوا على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَن أكَلَ ناسِيًا، وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ”.

الحنفية: يرون أن الأكل في صيام التطوع نسياناً لا يفسده، قياساً على صيام الفريضة؛ فكلاهما يتضمن ترك الأكل، ويعتبر الترك شرط صحة.

الحنابلة: يرون أن الله تجاوز عن خطأ المسلم ونسيانه، استدلالاً بقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾. فمن تناول شيئاً من مفطرات الصيام نسياناً دون تعمد، فلا يؤاخذ بذلك. ويؤيد ذلك القول أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب ذلك الفعل إلى الله تعالى في قوله: “مَن أكَلَ ناسِيًا، وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ”، وفي ذلك دلالة على أن ذلك العمل من فضل الله ورحمته بعباده.

ما المقصود بصيام التطوع؟

يُطلق مصطلح التطوع على ما زاد عن الفرائض التي كُلف بها المسلم من العبادات والطاعات. بمعنى أن العبد يقوم بعمل يتقرب به إلى الله تبرعاً منه. ويُعرف التطوع أيضاً بـ”النافلة”، وقد قال تعالى: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ﴾.

ومن بين النوافل، يبرز صيام التطوع، وهو الصيام غير المفروض على المسلم، بل هو عمل مستحب يهدف إلى نيل رضا الله من خلال القيام بالأعمال والعبادات التي يحبها، وتحقيق المزيد من الأجور والحسنات. كما أن هذا النوع من الصيام يسد النقص الذي قد يقع في صيام الفريضة، ويعزز التقوى في قلوب المؤمنين، بالإضافة إلى آثاره العظيمة في حماية النفس من الذنوب والمعاصي.

صيام التطوع قد يكون مقيداً بزمان معين، كصيام عرفة وعاشوراء، أو مطلقاً غير مرتبط بزمان، كصيام يوم وإفطار آخر. وتتأكد أهمية صيام التطوع في بعض الأحيان دون الأخرى، وهو جزء من النوافل التي تقرب العبد إلى ربه. وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: “إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ”.

المراجع

[1] سورة البقرة، آية: 187.

[11] رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6669، صحيح.

[14] سورة البقرة، آية: 286.

[15] رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6669، صحيح.

[18] سورة البقرة، آية: 184.

[21] رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أحكام الصيام للمبتعثين أثناء السفر في رمضان

المقال التالي

ضوابط إنهاء صيام النفل وعلاقته بالجماع

مقالات مشابهة