مسؤوليات الوالدين تجاه الأبناء

نظرة شاملة على مسؤوليات الوالدين تجاه أبنائهم قبل وبعد الولادة، وأهمية الالتزام بهذه المسؤوليات لبناء أسرة ومجتمع صالح.

مقدمة

تعتبر الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع، وصلاحها من صلاح المجتمع كله. ولذلك، أولى الإسلام اهتمامًا كبيرًا بتحديد الحقوق والواجبات المتبادلة بين أفرادها، وخاصة بين الوالدين والأبناء. هذه العلاقة مبنية على المودة والرحمة، ولكن يجب أن تكون مدعومة بأسس واضحة تضمن حقوق كل طرف، وتساهم في تنشئة جيل واعٍ ومسؤول.

واجبات تجاه الأبناء قبل الميلاد

تبدأ مسؤولية الوالدين تجاه أبنائهم قبل حتى أن يولدوا. هذه المسؤولية تكمن في عدة جوانب:

  • حسن اختيار الشريك: على كل من الرجل والمرأة أن يحسن اختيار شريك حياته، فالزواج الناجح هو الأساس لأسرة مستقرة وسعيدة. يجب أن يكون الاختيار مبنيًا على الدين والخلق، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-:(إذا جاءكُم من ترضونَ دينَهُ وخلُقهُ فأنْكحوهُ). فالرجل يختار الزوجة الصالحة التي تحسن تربية الأبناء، والمرأة تختار الزوج الذي يكون قدوة حسنة لأبنائها. وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها ولِحَسَبِها وجَمالِها ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ).
  • اختيار الاسم المناسب: من حق الطفل على والديه أن يختاروا له اسمًا حسنًا يحمل معنى جميلًا، فالاسم يظل ملازمًا للإنسان طوال حياته، وقد يؤثر في شخصيته.
  • الحفاظ على حياة الجنين: لقد جاء الإسلام ليحرم الإجهاض ووأد البنات الذي كان شائعًا في الجاهلية، فالحياة هبة من الله لا يجوز الاعتداء عليها، قال -تعالى-:(وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم خَشيَةَ إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُهُم وَإِيّاكُم إِنَّ قَتلَهُم كانَ خِطئًا كَبيرًا).

واجبات تجاه الأبناء بعد الميلاد

بعد ولادة الطفل، تتضاعف مسؤولية الوالدين، وتتنوع واجباتهم. من أهم هذه الواجبات:

  • العدل بين الأبناء: يجب على الوالدين أن يعاملوا جميع أبنائهم بالعدل والمساواة، فلا يفضلون أحدهم على الآخر، ولا يميزون بين الذكور والإناث. لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا في أَوْلَادِكُمْ). فالتمييز بين الأبناء يزرع البغضاء والحقد بينهم.
  • التربية الحسنة: التربية هي أهم مسؤولية تقع على عاتق الوالدين، فيجب عليهما أن يربوا أبناءهم على الأخلاق الفاضلة والقيم الإسلامية السمحة، وأن يعلموهم الدين ويعودوهم على الصلاة وقراءة القرآن وفعل الخير. وقد وعد الله من ربّى بناته تربية حسنة أن يكونوا له ستراً وحجاباً من النار، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(منِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ). والأجر لا ينقطع بموتهما، بل يستمرّ ذلك الأجر بعد الوفاة، لقول النبيّ- عليه الصّلاة والسّلام-:(إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له).
  • اختيار الاسم الجميل: يجب اختيار الاسم الجميل للمولود، و يستحب التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ). ويجب تجنب الأسماء التي تدل على الشرك أو تحمل معاني قبيحة.
  • النسب والنفقة والميراث: يجب على الوالدين الاعتراف بنسب أبنائهم إليهم، والإنفاق عليهم حتى يبلغ الذكور سن الرشد وتتزوج الإناث، وإعطائهم حقهم من الميراث بعد الوفاة.
  • الحنو والملاطفة: يجب على الوالدين أن يكونوا حنونين على أبنائهم، وأن يلاطفوهم ويداعبوهم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلاطف الأطفال ويحسن إليهم، فعن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- قال:(رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَؤُمُّ النَّاسَ وأُمَامَةُ بنْتُ أبِي العَاصِ وهي ابْنَةُ زَيْنَبَ بنْتُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وضَعَهَا، وإذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أعَادَهَا).
  • التعليم والتثقيف: يجب على الوالدين أن يعلموا أبناءهم العلوم الدينية والدنيوية، وأن يوفروا لهم فرص التعليم المناسبة.
  • الرضاعة والحضانة: الرضاعة الطبيعية هي حق للطفل على أمه، وإذا امتنعت الأم عن إرضاع طفلها مع قدرتها على ذلك أثِمت. كما أن حضانة الطفل هي مسؤولية مشتركة بين الوالدين، وتهدف إلى توفير بيئة آمنة ومستقرة للطفل.
  • غرس العقيدة الصحيحة: يجب على الوالدين أن يغرسوا العقيدة الصحيحة في نفوس أبنائهم، وأن يحثوهم على الصلاة وقراءة القرآن وفعل الخير، وأن يعلموا البنات المبادئ التي تساعدهن عندما يكبرن.
  • اختيار الصحبة الصالحة: يجب على الوالدين أن يحرصوا على اختيار الصحبة الصالحة لأبنائهم، وأن يوفروا لهم بيئة اجتماعية إيجابية.
  • سنن المولود: هناك العديد من السنن التي يستحب فعلها عند ولادة المولود، ومنها: تحنيك المولود، والأذان في أذنه، وحلق شعره والتصدق بوزنه فضة، وذبح العقيقة عنه، كما جاء عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-:(كلُّ غلامٍ رَهينةٌ بعقيقتِهِ تُذبَحُ عنهُ يومَ سابعِهِ ويُحلَقُ ويُسَمَّى).

أهمية القيام بالواجبات

إن قيام الوالدين بواجباتهم تجاه أبنائهم له أهمية كبيرة في بناء أسرة ومجتمع صالح، فقد نظّم الإسلام العلاقة بين الآباء والأبناء من خلال وضع الحقوق من الآباء اتّجاه أبنائهم منذ ولادتهم، وقد وردت هذه الحقوق في نصوص القرآن الكريم والسّنة النبويّة الشريفة، فالأبناء الصالحون هم ثمرة التربية الحسنة، وهم الذين يحملون راية الإصلاح والتغيير في المجتمع. كما أنهم يكونون سندًا وعونًا لوالديهم في الدنيا والآخرة، فصلاح الأبناء يؤدي إلى صلاح المجتمع، وجلب المنافع لهم ودفع الضرر عنهم، مع التنبّه على ضرورة فهم احتياجات الطّفل بما يتوافق مع عُمره، وبما يحقّق صحّته النفسيّة والجسديّة والأخلاقيّة والتربويّة.

خلاصة القول

مسؤولية الوالدين تجاه الأبناء عظيمة، وهي تتطلب جهدًا وتضحية وصبرًا. ولكن ثمرة هذه المسؤولية هي أبناء صالحون ينفعون أنفسهم ومجتمعهم ويكونون قرة عين لوالديهم في الدنيا والآخرة. فلنحرص جميعًا على القيام بواجباتنا تجاه أبنائنا، ولنسعَ جاهدين لتربيتهم تربية إسلامية صحيحة.

Total
0
Shares
المقال السابق

واجبات الآباء تجاه الأبناء بعد الانفصال

المقال التالي

مسؤوليات الوالدين تجاه الأبناء في الإسلام

مقالات مشابهة