تفسير الآية الكريمة
ورد في سورة الرحمن قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: 17]. وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود بـ”المشرقين” و”المغربين” في هذه الآية. أحد التفاسير الأكثر شيوعًا يشير إلى أن الآية تعني أن للشمس مشرقًا ومغربًا مختلفين في فصل الصيف عما هما عليه في فصل الشتاء. ويرجع هذا الاختلاف إلى حركة الشمس الظاهرية على مدار العام. ففي الشتاء، تميل الشمس نحو الجنوب، بينما في الصيف تميل نحو الشمال. ونتيجة لهذه الحركة، يختلف موقع شروق الشمس وغروبها بين الفصول.
وقد أشار العلامة ابن عثيمين إلى أن ذكر اختلاف المشرقين والمغربين يدل على كمال قدرة الله وعظمته في الكون. فالله وحده القادر على تحريك الشمس من مشرق إلى آخر ومغرب إلى آخر. كما أن في هذا الاختلاف فوائد جمة للخلق.
وذكر الطبري في أضواء البيان أن أغلب المفسرين يرون أن المشرقين هما مشرقا الشمس في الشتاء والصيف، والمغربين هما مغربا الشمس في الشتاء والصيف. وذكر رأياً آخر بأن المقصود هو مشرق الشمس والقمر ومغربهما.
ورود ذكر المشرق والمغرب بصيغ متعددة
لم يقتصر ورود ذكر المشرق والمغرب في القرآن الكريم على صيغة المثنى فقط، بل ورد أيضًا بصيغتي المفرد والجمع. ولا يوجد أي تعارض بين هذه الصيغ المختلفة. فقد تناول العلامة الشنقيطي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 115]. وذكر قولًا لابن عباس رضي الله عنهما، بأن للشمس ثلاثمائة وستون مشرقًا ومغربًا بعدد أيام السنة. ففي كل يوم تشرق الشمس وتغرب من مكان جديد، ولا يتكرر هذا الموعد إلا في العام التالي. ويرى ابن كثير أن المقصود هنا هو جنس المشارق والمغارب.
أما قوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ [المعارج: 40]. فقد ذكر ابن كثير في تفسيرها أن المقصود هو اختلاف مطالع الشمس وتنقلها بشكل يومي.
المشارق والمغارب في ضوء العلم
تناول الدكتور يحيى المحجري تفسير المشارق والمغارب في القرآن الكريم، مؤكدًا على صحة ما ذهب إليه العلماء القدامى. وأوضح أن اختلاف المشارق والمغارب يعود إلى دوران الأرض حول الشمس مرة كل ثلاثمائة وخمسة وستين يومًا. وهذا يعني أن الشمس تشرق وتغرب كل يوم من مكان مختلف، مما يؤدي إلى وجود مشارق ومغارب بعدد أيام السنة. ويكون هذا الاختلاف أكثر وضوحًا في فصلي الشتاء والصيف. فالأرض تتحرك باستمرار، مما يجعل زاوية سقوط أشعة الشمس متغيرة، وبالتالي تتغير نقاط الشروق والغروب على مدار العام. هذه الحقيقة العلمية تتفق تمامًا مع التفسيرات اللغوية والدينية للآيات القرآنية.
إن فهم هذه الآيات في ضوء العلم الحديث يزيد من تقديرنا لعظمة الخالق عز وجل، وكيف أن القرآن الكريم يحوي إشارات دقيقة إلى حقائق علمية لم تكن معروفة في زمن نزوله. هذا يؤكد الإعجاز القرآني ويدعو إلى التفكر والتدبر في آيات الله في الكون وفي كتابه الكريم. فكلما تقدم العلم، كلما زادت وضوحًا دقة وشمولية القرآن الكريم.
المراجع
- القرآن الكريم
- تفسير الطبري، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.
- “تفسير قوله تعالى رب المشرقين ورب المغربين “، الإسلام سؤال وجواب
- “تفسير قوله تعالى رب المشرقين ورب المغربين “، إسلام ويب