محددات تشكيل الحس الأدبي الرفيع

استكشاف المحددات الأساسية التي تؤثر في تشكيل الحس الأدبي الرفيع لدى الأفراد، مثل الحقبة الزمنية، والخلفية الثقافية، والخصائص الشخصية، ومستوى الإدراك، والتأثيرات التربوية، والأسلوب الأدبي للنص، والخبرات التعليمية، وأنواع الذكاء المختلفة.

فهرس المحتويات

أثر العصر والزمن

إن انتقال المجتمعات البشرية من حقبة زمنية إلى أخرى يؤدي إلى تحولات جوهرية في نمط الحياة. يصاحب هذا التطور زيادة في حجم المعرفة وتعمق في الأفكار، مما يؤدي بدوره إلى تطور الفنون وظهور أنماط جديدة من التعبير الإبداعي. يتجلى ذلك بوضوح في الاختلافات الملحوظة في الأذواق الأدبية عبر مختلف العصور. فما كان يعتبر مستحسناً في عصر ما، قد لا يلقى القبول ذاته في عصر آخر، وذلك بسبب التغيرات التي تطرأ على القيم والمعتقدات والتوجهات الفكرية.

تأثير الخلفية الثقافية والبيئة

تلعب البيئة دوراً محورياً في تشكيل القيم والأخلاق وتنوعها. فالحس الأدبي لدى سكان المدن يختلف عن ذلك الموجود لدى البدو، وبالمثل، يختلف ذوق الأثرياء عن ذوق الفقراء. هناك توجه نحو تقدير العناصر الخيالية، في حين يركز آخرون على المعاني السطحية. البعض لا يقتنع إلا بصور الثراء والمعاني العميقة والاحتياط في الصنعة والأداء.

دور الخصائص الفردية

تُعد الميول الفردية المتباينة من أهم العوامل التي تؤثر في الاستجابة للنصوص الأدبية، مما يؤدي إلى اختلافات في الحس الأدبي. كما أن للحالة النفسية التي يمر بها الشخص المتلقي تأثيراً كبيراً على تقديره للنص.

أهمية مستوى الإدراك والتفكير

يؤثر كل من التفكير النقدي والإبداعي تأثيراً كبيراً على الحس الأدبي، ويؤدي إلى تحسين قدرة الطلاب على التذوق الأدبي، حيث أكدت إحدى الدراسات على وجود علاقة دالة وموجبة بين كل من التذوق الأدبي وقدرات التفكير الابتكاري في مستوى (الأصالة، الطلاقة، المرونة).

أثر التربية والتعليم

تشمل التربية الأسرة، والتعليم، والتنشئة الخاصة، وهي عوامل مؤثرة في الذوق حسب الدراسة والتهذيب، وحسب ما يناله الشخص من ثقافة. فالأسرة التي تشجع على القراءة وتوفر بيئة محفزة، والمدرسة التي تهتم بتدريس الأدب بشكل شيق وتنمي مهارات التحليل والتفكير النقدي، كلها عوامل تساهم في تكوين حس أدبي رفيع.

تأثير الأسلوب الأدبي

إنّ انسجام المقومات الفنية في النص الأدبي من خيال مبتكر، وأفكار عميقة، وألفاظ موحية يؤدي إلى أسر المتلقي وجذب انتباهه للنص الأدبي، وتؤدي به أيضاً إلى تذوقه بالإضافة إلى تذوق مستوى الشعر ذاته (معقد، متوسط، سهل). فالنص الذي يتميز بالجمال اللغوي والعمق الفكري والقدرة على إثارة المشاعر، يكون له تأثير أكبر على المتلقي ويساهم في تنمية حسه الأدبي.

أثر الخبرات التعليمية

تزداد القدرة على التذوق الأدبي مع زيادة سنوات الدراسة، حيث تزداد الثقافة اللغوية، وممارسة النصوص الأدبية، ومعايشة روائع الأدب، وتكوين رؤية نقدية خاصة. فالشخص الذي يدرس الأدب بشكل منهجي، ويتعرض لمجموعة متنوعة من النصوص والمدارس الأدبية، يكون أكثر قدرة على فهم وتقدير الأدب.

تنوع الذكاءات وأثرها

تؤثر أشكال الذكاءات المختلفة التي يمتلكها كل فرد في تذوقه الأدبي؛ فأصحاب الذكاء الاجتماعي يهتمون بالتجربة الشعرية، ودوافع ومشاعر الشاعر، والحالة المزاجية له، وهكذا فإن اختلاف شكل الذكاء لدى المتذوق يؤثر على عملية التذوق، وقد يكون معياراً من معايير تباين الأذواق.

مفهوم الحس الأدبي

يعتبر الحس الأدبي جزءًا أساسيًا من عملية القراءة في مجال الأدب؛ فعندما يقرأ الفرد يكون هدفه الحصول على أكبر فائدة ممكنة، إذ أنّ القراءة كما هو معلوم هي غذاء العقل والروح، تمامًا كما يكون الطعام غذاء الجسم. لكن بعضنا قد يُضيع فائدة الساعات الطوال التي يقضيها في القراءة فقط لمجرد أنه لم يتذوق ما يقرأ أو يُعطيه حقه، فعملية التذوق واحدة من أهم الآليات بشكل عام، وبالطبع ليس هناك مثال أكبر من الطعام، فإذا لم تتذوق طعامك فسوف يكون هو والعدم سواء، وكذلك القراءة.

يمكن تعريف الحس الأدبي بأنه حالة من السعادة البليغة التي تتولّد لدى الشخص بعد القراءة بسبب فهمه للنص أو وصوله للنقطة التي أراد الكاتب أن يوصلها له بما كتب، وبالرغم من اختلاف التعريفات واتحاد المصطلحات؛ إلا أن الحس الأدبي نفسه قد يختلف من فرد لآخر، فالعمل الذي يُعجبك مذاقه الأدبي قد يشعر بمذاقه شخص آخر أيضًا لكنه لا يُعجبه.

أهمية تنمية الحس الأدبي

تهتم الأمم والشعوب في عصرنا الحاضر بتنمية الحس الأدبي بجميع الطرق والأساليب، باعتبارها أنَّ الذوق الرفيع يعد عنوانا للتقدم، فليست المقاييس العمرانية والصناعية هي فقط المعايير الوحيدة للرقي والتقدم، بل يعد الذوق أيضاً عاملا رئيسياً فيها.

الحس السليم للأدب يقود لغايته المنشودة، وهي صيانة الشعور والأخلاق وتنقية النفس، ولذا كانت تنمية الذوق هي الهدف الأول في تدريس الأدب، ولا ننسى بأنَّ العمل الأدبي رسالة يجب أن يحسن فهمها . يمثل الذوق للمبدع أهمية كبرى بوصفه أول المتذوقين لعمله، أما المتلقي فتذوق النص الأدبي يجعله يدرك الهدف منه، وصاحب الذوق السليم يستطيع تقدير الآثار الأدبية والفنية وإدراك ما في الكون من تناسق وجمال.

المراجع

  1. رائد الزيدي (6/6/2011)،”مفهوم التذوق الادبي وطبيعته”،موقع الدكتور رائد الزيدي، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022. بتصرّف.
  2. محمود الدموكي (11/9/2017)،”كيف تجيد التذوق الأدبي ولا تكون مجرد قارئ له؟”،تسعة، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022. بتصرّف.
  3. محمد السامي (4/4/2011)،”محاضرات تذوق أدبي”،مرسى الباحثين العرب، اطّلع عليه بتاريخ 11/2/2022. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

محددات التفوق الدراسي وأثره على مستقبل الطالب

المقال التالي

محددات اكتساب المعرفة: نظرة شاملة

مقالات مشابهة