فهرس المحتويات:
المعنى اللغوي للإحسان
الإحسان في اللغة مشتق من الفعل “حَسُنَ”، وهو ضد الإساءة. يقال: فلان محسن أو محسان، أي كثير الإحسان والعطاء. وقد جاء تفسير جامع للإحسان في الحديث النبوي الشريف الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ). [رواه مسلم] [1][2]
يشير هذا الحديث إلى الإخلاص في العبادة، وأن يصل المسلم إلى درجة من اليقين والإيمان تجعله يستشعر مراقبة الله في كل لحظة، وفي كل عمل يقوم به. فالإحسان بهذا المعنى يتضمن الإخلاص والتفاني في عبادة الله.
المعنى الاصطلاحي للإحسان
أما في الاصطلاح، فيعرف الإحسان بأنه: أن يعبد المسلم ربه عز وجل عبادة كاملة، مع استشعار عظمة الله ومراقبته الدائمة، وكأنه يرى الله أمامه، ويوقن بأنه مطلع عليه في كل وقت وحين. هذا الشعور يدفع المسلم إلى الإقبال على الطاعات، والاجتهاد في القرب من الله، والبعد عن المعاصي والذنوب.
ويرى بعض العلماء أن الإحسان يشمل النوافل والطاعات الزائدة التي لم يفرضها الله على المسلم، فالإتيان بهذه النوافل يعتبر من الإحسان والتقرب إلى الله.[4] وبشكل عام، يمكن تعريف الإحسان اصطلاحاً بأنه: إخلاص العبد في عبادته، واستمراره في التوجه إلى الله، مع الإحساس الدائم بوجوده ومراقبته.
أصناف الإحسان
يمكن تقسيم الإحسان إلى ثلاثة أصناف رئيسية: صنفان يتعلقان بعبادة الله عز وجل، وصنف يتعلق بحقوق المخلوقات.[5]
الإحسان في العبادة
يتحقق هذا النوع من الإحسان بالخوف من الله، والرجاء في رحمته، والهرب إليه من عذابه. ولا يتحقق ذلك إلا بالابتعاد عن نواهيه، والإقبال على طاعته، والالتزام بأوامره. وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ). [الرعد: 21] [6]
الإحسان في العبادة بحب وشوق
هذا النوع يعتبر أعلى مرتبة من النوع السابق، حيث يتعلق بعبادة الله عبادة الشوق والأنس بقربه. يتحقق هذا النوع عندما يصل المؤمن إلى درجة يشتاق فيها إلى عبادة ربه، ويحرص على أدائها لما يشعر به من لذة في مناجاته والأنس به. وقد وَرد عن النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ ).[7] [رواه البخاري ومسلم]
في الحديث إشارة إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد، وهذا يدل على هذا النوع من الإحسان.
الإحسان في أداء حقوق العباد
يتحقق هذا الصنف بالإحسان إلى الوالدين، وصلة الرحم، وإكرام الضيف، ومساعدة الفقير، والإحسان إلى الحيوانات. فقد رُوي عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:(بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ فقالَ الرَّجُلُ لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي فنزلَ البئرَ فملأ خفَّهُ ثم أمسَكهُ بفيهِ فسقى الكلبَ فشكرَ اللَّهُ لهُ فغفرَ لهُ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ).[8] [رواه البخاري ومسلم]
الفرق بين الإحسان والإيمان والإسلام
من أوضح ما يبين الفرق بين هذه المراتب الثلاث؛ حديث جبريل المشهور الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا قال: صدقت، قال فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان. قال ثمّ انطلق، فلبثت ملياً. ثم قال لي: يا عمر: أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).[1] [رواه مسلم]
يتضح من هذا الحديث أن لكل مرتبة من هذه المراتب مفهومها وأركانها الخاصة. فالإسلام له أركانه الخمسة، والإيمان له أركانه الستة، والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه. ومرتبة الإحسان هي أعلى هذه المراتب.[3]
الإحسان في الذكر الحكيم
وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدث عن الإحسان وأهميته، منها:
قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل: 128][9]. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: “أي معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه وهذه معية خاصة، ومعنى الذين اتقوا أي تركوا المحرمات، والذين هم محسنون أي فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ويؤيدهم ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم”.[10]
قال الله تبارك وتعالى في معنى الإحسان:(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الشعراء: 217-220][11]. فهو يرى الإنسان في كل أحواله.[12]
قال الله تبارك وتعالى:(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).[13] [يونس: 61]
مراتب الإحسان
الإحسان له مراتب متعددة، وقد ذكر الإمام ابن رجب مرتبتين أساسيتين:[16]
- مقام الإخلاص: وهو أن يجتهد المؤمن في استحضار رؤية الله له، واطلاعه عليه، وقربه منه في كل عمل يقوم به.
- مقام الشهادة: وهو أن يعمل المؤمن بمقتضى رؤيته ومشاهدته لله بقلبه، بأن يتنور قلبه بالإيمان وبصيرته بالعرفان.
المراجع
- رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
- محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)،لسان العرب(الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
- سعيد بن علي بن وهف القحطاني،نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة(الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
- محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)،جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري)(الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
- هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)،”الإحسان في الإسلام”،الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م. بتصرّف
- سورة الرعد، آية: 21.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.
- سورة النحل ، آية: 128.
- ابن كثير (1419هـ)،تفسير القرآن العظيم(الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 528، جزء 4.
- سورة الشعراء، آية: 217- 220.
- عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ) (2000م)،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(الطبعة الأولى)، السعودية: مؤسسة الرسالة، صفحة 599.
- سورة يونس، آية: 61.
- محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري،مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 21. بتصرّف.
- ابن رجب (2001م)،جامع العلوم والحكم(الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 129، جزء 1.