لمحة عن حياة كعب بن زهير

نبذة عن كعب بن زهير: أصله ونسبه، مسيرته الحياتية، مولده ونشأته، قصة إسلامه وقصيدة بانت سعاد الشهيرة، صفاته وأخلاقه.

مقدمة عن كعب بن زهير

يعتبر كعب بن زهير من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في فترتين زمنيتين مختلفتين، وهما العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام. كان له صيت ذائع بين الشعراء في الجاهلية واستمرت شهرته حتى بعد ظهور الإسلام. ينحدر من أسرة اشتهرت بالشعر، فأبوه هو الشاعر الجاهلي المعروف زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير، وابنه عقبة، وحفيده العوام كانوا أيضاً من الشعراء الموهوبين. اشتهر كعب بن زهير بقصيدته اللامية “بانت سعاد” التي حظيت باهتمام كبير من الكتاب والعلماء، حيث قاموا بشرحها وتخميسها وتشطيرها ومعارضتها. كما تُرجمت هذه القصيدة إلى اللغة الإيطالية، وقام المستشرق (رينيه باسيه) بنشرها مترجمةً ومشروحةً إلى اللغة الفرنسية.

أصل ونسب كعب بن زهير

ينتمي كعب بن زهير إلى قبيلة مزينة، وهو كعب بن زهير بن ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هدمة المزني. أمه هي كبشة بنت عمار بن عديّ بن سحيم بن غطفان. كانت قبيلة مزينة ذات مكانة عالية، وسُمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى أمهم مزينة بنت كعب بن وبرة. كانت مزينة جزءاً من قبائل وجماعات الخطط والآدر الذين كانوا يُعرفون باسم أهل الراية، وهم جماعة من قريش، والأنصار، وخزاعة، وأسلم، وغفار، ومزينة، وغيرهم. لم يكن عدد أفراد هذه القبائل كافياً لتشكيل خطة منفصلة لكل قبيلة، فجمعهم عمرو بن العاص بهدف تنظيم القبائل في خطة واحدة، وجعل لهم رايةً خاصة.

كانت قبيلة مزينة تتمتع بعز وجاه قديمين، وقد افتخر بها كعب بن زهير في شعره، مخاطباً مزرد بن ضرار:

ألا أبُلغا هذا المعرضَ أنّه
أيقظان قالَ القولَ إذ قالَ أم حلَمْ
أعَيّرتني عِزاً عَزيزاً ومعشراً
كِراماً بنو لي المجدَ في باذخٍ أشَمْ

مسيرة حياة كعب بن زهير

ميلاد ونشأة كعب بن زهير

لم تحدد المصادر تاريخ ولادة كعب بن زهير بشكل دقيق، ولكنه عاش في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام. ظهرت موهبته الشعرية في سن مبكرة، ولاحظ والده زهير بن أبي سلمى هذه الموهبة وأمره بالإعراض عن قول الشعر في البداية حتى لا ينظم شعراً ضعيفاً. لم يلتزم كعب بنصيحة والده، فسجنه زهير وهدده بالعقاب الشديد إذا نطق ببيت شعر. بعد بضعة أيام، وصل خبر إلى زهير بأن كعباً لا يزال ينظم الشعر، فضربه وأخرجه من سجنه وأرسله لرعاية الدواب.

في إحدى الليالي، سمع زهير كعباً ينظم أرجوزة، فدعاه إليه وامتحنه، فطلب منه أن يجيز أبياتاً قالها، ونجح كعب في ذلك. عندها أقر زهير بموهبة ابنه الشعرية وأذن له بقول الشعر. نشأ كعب على موهبة شعرية متوارثة، وكان أكبر أبناء زهير، لذلك أولاه والده رعاية خاصة، وعمل على تهذيب لسانه وتنمية موهبته الشعرية من خلال رواية الشعر.

إسلام كعب بن زهير وقصة قصيدة بانت سعاد

تعد قصة إسلام كعب بن زهير من القصص المشهورة في التاريخ الإسلامي. بدأت القصة عندما أعلن أخوه بجير إسلامه، وهو الأمر الذي لم يرض كعباً، الذي كان لا يزال مشركاً، فهجا أخاه بأبيات من الشعر:

ألا أبُلغا عني بجيراً رسالةً
فهل لك فيما قلتُ بالخيفِ هل لك
اشربت مع المأمون كأساً رويةً
فانْهلكَ المأمونُ منها وعلّكا

بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف، كتب بجير إلى كعب يخبره بأن رسول الله قد قتل كل من هجاه وآذاه من شعراء المشركين، وأن ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربا. نصحه بجير بأن يأتي إلى رسول الله تائباً لينجو بنفسه، لأنه لا يقتل من أتاه تائباً. كتب بجير بضعة أبيات لأخيه:

من مبلغُ كعباً فهل لك في التيتلوم عليها باطلاً وهي أحْزَمُ
إلى الله لا العُزةَ ولا اللات وحدهُفتنجو إذا كان النجاءُ وتسلمُ

عندما وصل كتاب بجير إلى كعب، خاف خوفاً شديداً بسبب هجائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجد مهرباً، فكتب قصيدته التي مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها شدة خوفه وإيقاع أعدائه به. ثم خرج إلى المدينة ونزل عند رجل تربطه به علاقة مودة، فصحبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في صلاة الصبح فصلى معه. قام كعب إلى رسول الله فوضع يده في يده، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه، فقال له: كعب يا رسول الله، إن كعباً بن زهير أتاك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه، إن أنا جئتك به؟ قال: نعم، قال: فأنا كعب. ويُروى أنه وثب عليه رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنقهُ، فكفّه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: دعه عنك إنه جاء تائباً.

غضب كعب من الأنصار بسبب هذا الأنصاري، وبالمقابل لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير، فقال قصيدته المشهورة التي قالها حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي مطلعها (بانت سعاد)، وفيها هجا الأنصار بسبب قسوتهم عليه وامتدح المهاجرين، وقد أُعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض معاني القصيدة، ولما بلغ قوله:

إنّ الرسولَ لنورٌ يستضاء به
مهندٌ من سيوف الله مسلولُ

قام عليه الصلاة والسلام فألبسه بُردَته إكراماً وتقديراً له، فلم يصدق كعب نفسه من شدة فرحه، فقد تغير حاله في لحظة وصار من المقربين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا سُميت قصيدته بالبردة، وكان كعب معتزاً بتلك البردة طيلة حياته، ويقال إن معاوية بن سفيان اشتراها من ورثة كعب بعشرين ألف درهم وتوارثها الخلفاء من بعده وكانوا يلبسونها في الأعياد، وبذلك يكون كعب بن زهير قد أعلن توبته ودخل في الإسلام في أواخر السنة السابعة للهجرة، وصار شاعراً من أشهر شعراء الدعوة الإسلامية الذين دافعوا عن الإسلام.

أخلاق وخصال كعب

كان كعب بن زهير في الجاهلية فتىً مقداماً وفارساً شجاعاً، وكان يقضي معظم وقته في الصحراء برفقة أصحابه طلباً للصيد. كان أيضاً شاعراً فحلاً، وقد عُرف عنه في الجاهلية تحليه بالأخلاق العربية الأصيلة مثل المروءة، والكرم، والشجاعة، والنخوة، والحمية، والحِلم، وكره الظلم. بعد إسلامه، أضاف إلى هذه الأخلاق فضائل الإسلام وقيمه النبيلة.

شعر كعب بن زهير

سار كعب بن زهير على نهج أبيه زهير بن أبي سلمى في إتقان الشعر، فهو أحد روّاد مدرسة الشعر الحولي المحكك التي بدأت بالشاعر أوس بن حجر. كان شعراء هذه المدرسة يعتنون بقصائدهم عناية شديدة، حيث كانت القصيدة تمكث عندهم حولاً كاملاً وهم ينقحونها ويراجعونها. كان كعب يبني قصيدته على أساس التعلق والارتباط الوثيق بالمكان، فالمكان بالنسبة للشاعر كان عاملاً لتحريك شاعريته.

جرى علی سنّة شعراء الجاهلیة في الوقوف علی الأطلال ومناجاتها والبکاء بین یدیها، ومثال على ذلك قول شاعرنا:

أَمِن دِمنَةٍ قَفرٍ تَعاوَرَها البِلى
لِعَينَيكَ أَسرابٌ تَفيضُ غُروبُها
تَعاوَرَها طولُ البِلى بَعدَ جِدَّةٍ
وَجَرَّت بِأَذيالٍ عَلَيها جَنوبُها

كان الشاعر يستحضر الغزل عند وقوفه على الأطلال فيصف حبيبته، ومثال على ذلك قوله:

أَمِن أُمِّ شَدّادٍ رُسومُ المَنازِلِ
تَوَهَّمتُها مِن بَعدِ سافٍ وَوابِلِ
وَبَعدَ لَيالٍ قَد خَلونَ وَأَشهُرٍ
على إِثرِ حَولٍ قَد تَجَرَّمَ كامِلِ
أَرى أُمَّ شَدّادٍ بِها شِبهُ ظَبيَةٍ
تُطيفُ بِمَكحولِ المَدامِعِ خاذِلِ

ثمّ كان ينتقل الشاعر مباشرةً من وصف الحبيبةِ إلى وصف الحيوان، ومثال على ذلك وصفه الجميل للناقة:

حرفٍ تمدّ زمامها بعذافرٍ
كَالْجِذْعِ شُذِّبَ لِيفُهُ الرَّيّانِ
غضبى لمنْسمِها صياحٌ بالحصى
وقعْ القدومِ بغضْرة ِ الأفنانِ

ثمّ كان ينتقل الشاعر من وصف الناقةِ إلى وصف الطريق، وليس المقصود بالطريق هنا الطريق الواقع إنّما الطريق الذي رسمه الشاعر بأحاسيسه وانفعالاته، فقد كان يصوّر طريقه تصويراً يناسب حالته النفسية، فإذا كان خائفاً مضطرباً لا يعرف مصيره كان يأتي بألفاظ تناسب هذه الحالة، وهذا ما نجده في القصيدة التي اعتذر فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان مطمئناً هادئاً فكان يصوّر طريقه تصويراً جميلاً، ومثال على ذلك هذه الأبيات التي يعاتب فيها زوجته ويطلب منها ألا تلومه:

فَذَرِينِي من المَلامَة حَسْبِي
رُبَّما أَنْتَحِي مَوارِدَ زُورَاتِ
تأوَّى إلى الثنايا كما شَكَّت
صناعٌ من العسيبِ حصيرا

ثم كان يذكر الغرض من القصيدة، مدحاً، أو رثاءً، أوهجاءً، أو فخراً، أو عتاباً، أو غزلاً، أو اعتذارًا، ومن أجمل وأشهر اعتذاراته لاميّته التي اعتذر فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها يقول:

أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَني
والعَفْوُ عَنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُولُ
مَهْلاً هَداكَ الذي أَعْطاكَ نافِلَةَ
الْقُرْآنِ فيها مَواعيظٌ وتَفُصيلُ

لم يكن يخلو شعر كعب من الحكمةِ والأمثال أيضاً، فهو كان يختم قصائده ببعض الحكم وهو بذلك سار على نهج سابقيه من الشعراء، ومثال على ذلك قوله:

قَد يُعوِزُ الحازِمُ المَحمودُ نِيَّتُهُ
بَعدَ الثَراءِ وَيُثري العاجِزُ الحَمِقُ
فَلا تَخافي عَلَينا الفقرَ وَاِنتَظِري
فَضلَ الَّذي بِالغِنى مِن عِندِه نَثِقُ

السمات الفنية في قصائد كعب بن زهير

تميزت أشعار كعب بقوتها وتماسكها، فضلاً عن جزالة ألفاظها والمعاني التي تحملها، والقدرة على ضرب الأمثال وصياغة الحكمة. استخدم كعب نفس أساليب والده ومعلمه الأول الشاعر زهير، واهتم بالنص من حيث الإتقان، والتروي، والتعقل، والاتزان، فلم يكن يذيع القصيدة إلا بعد أن ينقحها ويهذبها جيداً. كما تميز شعره بنضوج التفكير، حيث ساعد الإسلام في توسيع مداركه وأكسبه الكثير من التراكيب والتشبيهات الشعرية العميقة، وأصبحت لغته أكثر بساطة وسهولة وعذوبة في المعاني.

لغة الشاعر كعب بن زهير

يظهر في شعر كعب بن زهير تأثره ببيئته البدوية القاسية بشكل واضح، فهو كان يكثر في شعره من الألفاظ البدوية الصعبة التي تحتاج إلى شرح وتوضيح.

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها
إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ
فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ

لكن بعد إسلام كعب حلّت محلّها ألفاظ القرآن الكريم، والمعاني الإسلاميّة.

الصورة الفنية في شعر كعب بن زهير

الصورة الفنيّة في الشعر هي وسيلة الشاعر في نقل فكرته وعاطفته إلى قرّائه وسامعيه، وهي الشكل الفني الذي تتخذه الألفاظ والعبارات لرسم صورة ما، وهذه الصورة إما أن تكون مجرد مشهد حسّي رآه الشاعر دون أي دلالة نفسيّة، وإما أن تعكس حالة الشاعر النفسيّة وما يشعر به من أحاسيس انفعاليّة، وهي إبداع خيالي يُظهر مقدرة الشاعر الإبداعية، حيث يستخدم الشاعر التشبيه والاستعارة في رسم صوَره.

تظهر الصورة الفنية في شعر كعب متأثرة ببيئته البدويّة والاجتماعيّة والدينيّة، ومثال على ذلك هذه الأبيات التي تظهر فيها الصورة الحسيّة والتي استخدم فيها الاستعارة:

أمِن نوارَ عرفتَ المنزلَ الخَلقِ
إذ لا تفارقُ بطنَ الجوِّ فالبَرَقَا
وَقَفْتُ فيها قليلاً رَيْثَ أَسْأَلُها
فانهلّ دمعي على الخدّين ُمنسحِقا

أما هذه الأبيات فهي التي استخدم التشبيه فيها ليشبه محبوبته بغصن البان:

وإذ هي كغصنِ البانِ خفَّاقة الحَشى
يروعك منها حسنُ دلٍّ وطيبُها
فَأَصْبَحَ باقِي الوُدِّ بَيْنِي وبَيْنَها
أمانيَّ يزجيها إليَّ كذوبُها

كما ظهر تأثر شِعر كعب بحياة البَداوة بما فيها من صحراء قاحلة وحياة الحيوان وما فيها من كثرة للترحال، فصوّر في الأبيات الآتية خطورة الطريق مستخدماً التشبيه:

كأن رَحْلِي وقد لانتْ عَرِيكتُها
آثارَكسوتُه جورَفاً أقرابُهُ خصفَ
ايجتازُ أرضَ فلاةٍ غيرَ أنّ بِها
آثارَ جنٍّ ووسماً بينهم سلفا

تأثر شعر كعب بن زهير بالقرآن الكريم

تأثر شعر كعب بن زهير بعد إسلامه بالقرآن الكريم والحديث النبوي لفظيّاً ومعنويّاً، إلا أنّه ظلّ محتفظاً ببناء القصيدة الجاهلي الذي يقف فيه على الأطلال، وقد ظهر هذا التأثر في قصيدته بانت سعاد، حيث أقرَّ شاعرنا بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بتكراره لكلمة (رسول الله)، كما اعترف أنّ الذي أنزل عليه القرآن هو الله، وأنّه حق، وفي هذا دلالة على أنّ الشاعر لا بد أنّه قد اطلع على القرآن الكريم وتعرّف على الدين الإسلامي قبل أن يلقي هذه القصيدة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأبيات الآتية توضح ذلك:

أُنْبِئْتُ أن رسولَ الله أَوعَدني
والعفْو عند رسولِ االلهِ مأْمولُ
مهلاً هداك الذي أَعطاك نافلَةَ
القرآنِفيها مواعيظٌ وتَفصيلُ

يظهر في هذه الأبيات تأثر كعب بالآية الكريمة: (خُذ ِالْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]. ومن مظاهر تأثر شعر كعب بالقرآن الكريم أيضاً تلك الأبيات التي يظهر فيها إيمانه بالقضاء والقدر، فمن الواضح تأثُّر كعب بالآية الكريمة: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ولَا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34].

أَعلَم أَني متى ما يأْتني قَدرِي
فليس يحبسه شح ولا شفقُ
بينَا الفتى معجب بِالعيشِ مغْتَبِطٌ
إذا الفَتَى لِلْمنَايا مسلَم غَلقُ

الأغراض الشعرية عند كعب بن زهير في شعره الإسلامي

تعددت الأغراض الشعرية عند كعب بن زُهير في شعره الإسلامي، إلا أنّه لم يختلف في نهجه عن المسار العام الذي لم يتجاوزه إلا في القليل النادر، حيث لم يغيّر إسلامه مساره في نظم الشعر كما حدث مع غيره من الصحابة إلا في المعاني الجديدة التي اهتدى إليها، وقد قال كعب شعره الإسلامي في الأغراض التالية:

المدح: من أشهر قصائد المدح في شعر كعبٍ قصيدة البردةِ التي قالها في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي امتازت بجودة معانيها وقوة أسلوبها ومضمونها، ولكعب قصائد أخرى في المدح لكنّها لم ترقى إلى مستوى قصيدة البردة، ومنها قصيدته في مدح الأنصار التي جاء فيها:

مَن سَّرهُ كَرُمُ الحَياةِ فَلا يَزَل
في مِقنَبٍ مِن صالِحي الأَنصارِ
الباذلينَ نفوسهُم لِنَبيّهم
عندَ الهياجِ وسطوةِ الجبّارِ

الهجاء: يظهر تأثير الإسلام واضحاً في شعر الهجاء عند كعب، فهو يخلو من القسوة والتجريح وذكر الأسماء كما كان في الجاهلية، ويكتفي بالتلميح دون تصريح، ومثال على ذلك قوله:

إِن كُنتَ لا تَرهَبُ ذَمّي لِما تَعلَمُ مِن صَفحي عَنِ الجاهِلِ
فَاخشَ سُكوتي إِذ أَنا مُنصِتٌ فيكَ لِمَسموعِ خَنا القائِلِ

الحكم والمواعظ: أمرٌ طبيعي أن تزخر قصائد كعب بالحكم، فهذا والده زُهير قد زيّن أواخر معلّقته الشهيرة بالحكم والمواعظ، لكنّ حِكم كعب تختلف عن حِكم والده فهي مستمدة من القرآن الكريم وتعاليم الإسلام وهي عِظات تؤثر في القلوب فتلينها ومنها:

كُلُ ابنِ أنثى وإن طالَت سلامَتهُ يوماً على آلةٍ حدباءٍ مَحمولُ

مكانة كعب بن زهير الشعرية

كان العرب في الجاهليّة يقدرون الشاعر تقديراً عظيماً، فالشاعر بالنسبة لهم هو الذي يدافع عن حسبهم ونسبهم وعن عرضهم، وهو الذي يخلّد ذكرهم وذكر مآثرهم وأمجادهم، فمن عاداتهم إذا نبغ شاعرٌ ما عندهم احتفوا به وكرموه بما يليق به، وقد حظي كعب بهذه الحفاوة، ولا عجب فهو شاعرٌ فحلٌ ابن شاعر فحل، وقد اتفق الرواة على أنّ كعباً شاعرٌ ورث عن أبيه جودة الشعر من حيث الجزالة اللفظية، وعمق المعاني ودقتها، وفي ذلك قال خلف الأحمر: (لولا أبياتٍ لزُهيرٍ أكبرها الناس لقلت: إن كعباً أشعر منه).

لعلّ شعر كعب الإسلامي وما فيه من حِكم وقيم إسلاميّة يعتبر مصدراً مهماً في توجيه السلوك نحو الفضيلة، إضافة إلى أنّ دفاعه عن الإسلام رفع من قدره وزاد من قيمة شعره الذي بلغت شهرته حتى عصرنا الحالي، فقد لاقى ديوانه الشعري الكثير من الاهتمام من قبل أدباء وعلماء هذا العصر من حيث شرحه وتنقيحه ومراجعته وتنسيقه، ومن هؤلاء العلماء أبو سعيد بن الحسن السكري، ومحمد يوسف نجم.

وفاة كعب بن زهير

اختلف مؤرخو الأدب العربي في تحديد سنة وفاة كعب بن زهير، فمنهم من ذكر أنّه توفي سنة 24هـ أي 644م، ومنهم من ذكر أنّ سنة وفاته كانت سنة 26هـ أي 645م، واعتمد آخرون على حادثة معاوية بن سفيان لشراء البردة في تحديد سنة وفاته، فقالوا إنّه توفي سنة 42هـ أي 662م على اعتبار أنّ خلافة معاوية امتدت من سنة 660م إلى 680م.

المراجع

  1. خير الدين الزركلي (2002)،الأعلام(الطبعة الخامسة عشر)، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 226، جزء الخامس. بتصرّف.
  2. مشہور الرواشده (2006)،شعر كعب بن زُهير ، دراسة فنية، الأردن: جامعة مؤتة، صفحة 3،4،5،6،7،8. بتصرّف.
  3. جازية عوض (2012م)،الحيوان في شعر كعب بن زُهير، القدس: جامعة القدس، صفحة 4،3،7،9. بتصرّف.
  4. منيرة كليب (1435ه)،القيم الإسلامية المتضمنة في شعر كعب بن زُهير، السعودية: جامعة أم القرى ، صفحة 89 -87 ،84،83 . بتصرّف.
  5. أبو هدايا حامد (2010)،”الصورة الشعرية في شعر كعب بن زُهير”،مجلة كلية الآداب، العدد 22، صفحة ،21-4،6،7،8،14. بتصرّف.
  6. سورة الأعراف، آية: 199.
  7. سورة الأعراف، آية: 34.
  8. الإداره العامة لتطوير الخطط والمناهج (1437)،الأدب العربي وتاريخه، الرياض: وزارة التعليم العالي، صفحة 106 ،107. بتصرّف.
  9. أنيس عفيفه (2015م)،شعر كعب بن زُهير في الجاهلية والإسلام، جاكرتا: جامعة شريف هداية الله، صفحة 9،10. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نبذة عن حياة السيدة فاطمة الزهراء

المقال التالي

نبذة عن حياة الأمير محمد بن سلمان آل سعود

مقالات مشابهة