محمد: ناشر نور الإسلام للعالم
لقد كان الإسلام ولا يزال هو النور الذي أضاء للعالم دروب الحضارة الحقيقية، بعيدًا عن كل أشكال الظلم والتخلف. قام الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، بحمل رسالة الإيمان السامية من مهدها في شبه الجزيرة العربية، لتشع بنورها في كل مكان. لم يكن الإسلام مجرد دين محدود، بل كان منارة تضيء للناس طريق الحق والعدل. لقد اختص الله نبيه بحمل هذه الرسالة العظيمة، وكان خير من حملها وأداها، وبذل كل ما يملك من جهد وروح للحفاظ عليها ونشرها.
لقد اختاره الله، عز وجل، من بين أولي العزم من الرسل، ولم يكن هذا الاختيار محض صدفة، بل لأنه كان مؤهلاً لهذه المهمة الجليلة. لقد أتم الرسول صلى الله عليه وسلم مهمته على أكمل وجه، حتى إذا اكتملت الرسالة فاضت روحه الطاهرة إلى خالقها، وكأن لم يكن له في هذه الدنيا مهمة إلا تبليغ كلام الله الحكيم. لم يدخر النبي صلى الله عليه وسلم وسعًا في نشر الدعوة الإسلامية، ولم يفضل نفسه على غيره، بل كان دائمًا سباقًا لا يهاب المخاطر، ويضحي بروحه في سبيل إعلاء كلمة الله.
لقد كانت الدنيا تعيش في ظلام دامس، وكانت النفوس النقية تكاد تنقرض، وكان الناس يتنافسون على فعل الشرور ويتنازعون على الباطل. فكانت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم عظيمة، تحمل في طياتها معاني الإنسانية قبل كل شيء، إذ لا يمكن أن يحدث تغيير حقيقي في العالم ما لم يتخلص الإنسان من شرور نفسه الداخلية، والتي لا يمكن ترويضها إلا بالالتزام بالأخلاق الحميدة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
محمد: القدوة الأخلاقية
كان الرسول صلى الله عليه وسلم خير معلم للمسلمين، يعلمهم الأخلاق الفاضلة التي تسمو بهم وترفعهم. لقد استطاع أن يكون القائد والموجه للقوانين الإنسانية منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، في زمن كانت القوة هي القانون الوحيد السائد. لقد كان صلى الله عليه وسلم سيد الإنسانية في ذلك العصر، وكل من أراد أن يضع قوانين للأخلاق، فإنه لا بد أن يستلهم من أخلاق سيد الخلق صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك أنه كان يوقف الصحابة الكرام، مثل أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، في الصلاة من أجل طفل صغير صعد على رأسه وهو ساجد، خشية أن يؤذيه.
لقد دافع الرسول صلى الله عليه وسلم عن حقوق الحيوان منذ قرون عديدة، فقال: “إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها” . لقد ساوى بين إنسان بالغ عاقل في الحقوق وبين قطة صغيرة حرمت من الطعام والشراب، ليؤكد على أن الحق لا يسقط مهما كان صاحب الحق ضعيفًا أو المعتدي قويًا. وعندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقطع يد امرأة شريفة سرقت، حاول أحد الصحابة أن يشفع لها، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، وقال: “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم معلمًا في كل شيء، عظيمًا في كل أمر، لا يعاقب أحدًا إلا بعد أن يقيم عليه الحجة، وكان عطوفًا على الأطفال ورحيمًا بهم. عندما توفي ابنه إبراهيم وهو صغير، حمله الرسول صلى الله عليه وسلم بين يديه وصار يبكي، فاستغرب عبد الرحمن بن عوف من ذلك وسأله عن سبب بكائه، فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنها رحمة”.
محمد: قبل الرسالة
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إنسانًا عظيمًا قبل البعثة وبعدها. لقد سطر في حياته قبل النبوة أروع الأمثلة في الأخلاق الحميدة، حتى أصبح لا يخلو مجلس إلا وهو فيه. لقد لقبه قومه بالصادق الأمين، وكان مباركًا أينما حل. عندما استأجرته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أعجبت بأمانته وبركته وعرضت عليه الزواج، فكان صلى الله عليه وسلم نعم الزوج لها، وفيًا لقلبها، مقدرًا لجهودها، ومحبًا لها. لقد كان نعم الزوج ونعم الصاحب ونعم الحبيب ونعم الأب.
وقد تغنى الشعراء بصفات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم أحمد شوقي أمير الشعراء:
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ * وَفَمُ الزمانِ تَـبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ * لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي * وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبابِ * التُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ * وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ
بِكَ بَشَّرَ اللهُ السّماءَ فَزُيِّنَت * وَتَضَوَّعَت مِسكًا بِكَ الغَبراءُ
وَبَدا مُحَيّاكَ الَّذي قَسَماتُهُ * حَقٌّ وَغُرَّتُهُ هُـدىً وَحَياءُ
لقد عرف أهل قريش قدر الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اختلفوا على وضع الحجر الأسود، واتفقوا جميعًا على أن يكون هو الحكم بينهم. فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم الحجر على عباءته وأخذت كل قبيلة بطرف ثم حمله بيديه الشريفتين ووضعه في مكانه. ولما اتفق عامة قريش على حلف الفضول، كان الرسول حاضرًا لذلك الحلف موافقًا عليه، وقد قال: “لو دُعيتُ إلى مثله في الإسلام لأجبت”.
قصة النبي اليتيم
لم تكن حياة النبي صلى الله عليه وسلم خالية من الصعاب، فقد واجه منذ ولادته أشد ما يمكن أن يختبره طفل، وهو اليتم. فقد توفي والده وهو جنين في بطن أمه، وعندما توفيت أمه آمنة بنت وهب كان في السادسة من عمره، فكفله جده عبد المطلب وبقي في بيته حتى توفي ذاك الجد الحاني، فانتقل النبي إلى بيت عمه أبي طالب، وقد كان أبو طالب كثير العيال قليل المال، ومع ذلك كان يهتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمه على عياله، وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تكريم اليتيم وكافله، فأخبر الناس أنه وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وقد جمع ما بين السبابة والوسطى.
لم يكن يتم رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى قاعدة لانطلاقة عظيمة له في دعوته الإسلامية، فلم ينقم على حالة اليتم التي عاشها في مجتمع ينعم فيه كل طفل بأب يحضنه كل مساء وأم تمسح على رأسه، ولم تكن تلك الحالة سببًا في ضعفه على الإطلاق، بل استطاع أن يمتلك صفات عظيمة لم يحزها غيره من الرجال مثل الكرم والشجاعة والمروءة والعفة، إن يتم رسول الله عليه الصلاة والسلام حري أن يكون كتابًا يدرس لأجيال تؤمن أن الرجل لا يكون إلا صنعة نفسه وكما أراد الله له أن يكون، ولكل مجتهد نصيبه من الحياة، فلما يجاهد الإنسان نفسه فإن الله لا بد أن يوفقه.
إن سيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لتعجز الحروف والكلمات أن تفيها حقها، إنّ في كل موقف لرسول الله عبرًا وعظات، وكل متأمل لوقفات حياته لا بد أن يخرج بالفضائل العظيمة. رجل من أربعة عشر قرن قاد الدنيا فكان هو المعلم الأول لكل شيء، استطاع أن يخرج العالم من ظلمات بعضها فوق بعض إلى نور العلم والهداية والسلام والرحمة، فكان خير الرسل والأنبياء وخير مَن طلعت عليهم الشمس منذ أن أذن لها ربها بالشروق.
المراجع
- الديوان، “وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ” الرابط