المحتويات |
---|
أصله وميلاده
هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد الله بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي، ويكنى بأبي عبد الله. يُعد المؤسس للمذهب الشافعي. وُلد الإمام الشافعي في غزة عام مئة وخمسين للهجرة، وكانت غالبية سكان هذه المنطقة من أهل اليمن.
تميز بنسبه الرفيع وقربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن أحد أجداد الإمام الشافعي لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- في فترة الصبا، والجد الآخر للإمام الشافعي كان صاحب راية بني هاشم في غزوة بدر، ويلتقي الإمام الشافعي مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالنسب في عبد مناف وبذلك يكون نسب الإمام الشافعي الجليل هاشميّ أصيل من جهتي الأب والأُم.[١]
النشأة الأولى
ترعرع الإمام الشافعي في كنف أسرة بسيطة بعد وفاة والده وهو صغير، فقررت والدته الانتقال به من غزة إلى مكة المكرمة للحفاظ على نسبه الشريف، وليحظى بالرعاية بين أهله وعشيرته.
حرصت والدته على أن يتقن اللغة العربية، فوجهته إلى البادية لتعلم الفصاحة، فصاحب قبيلة هذيل في حلهم وترحالهم، حتى استظهر أشعارهم، وأتقن اللغة وأصبح مرجعًا فيها. ونُصح بضرورة دراسة الفقه نظرًا لأصالته وجودة فطنته، فاستجاب لهذه النصيحة.
عندما عاد الإمام الشافعي من البادية، انكب على تعلم الفقه، وأُذن له بالإفتاء قبل بلوغه العشرين من عمره. حفظ موطأ الإمام مالك، ثم سافر إلى المدينة المنورة وعرضه عليه، ولازمه حتى وفاته. وقد قال مالك في الشافعي: (يا محمدٌ اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بالمعصية).[٢]
أسفاره وتنقلاته
بعد وفاة الإمام مالك، رافق الشافعي أحد الولاة للعمل واليًا في نجران، حيث كان يتميز بالعدل والإنصاف. وخلال فترة إقامته في نجران، كان هناك والٍ ظالم، فكان الشافعي ينهاه عن ظلمه، مما دفع الوالي الظالم إلى الوشاية بالشافعي للخليفة، مدعيًا أنه يجهز لثورة مع العلويين ضده.
عندما وصل الشافعي إلى الخليفة (هارون الرشيد) في بغداد، كان في مجلسه محمد بن الحسن الشيباني، فسأله عن الشافعي، فأخبر محمد بن الحسن عن الشافعي أنه كثير العلم، وأنه ليس من شأنه ما اتّهم به، فأطلقه.
بعد هذه الواقعة، ترك الشافعي القضاء وتفرغ للعلم. في بغداد، التقى بمحمد بن الحسن (أحد أئمة المذهب الحنفي)، واستفاد من مناقشاته ومناظراته، فاجتمع لديه علم مدرسة أهل الحديث (المالكية) ومدرسة أهل الرأي (الحنفية).
عاد الشافعي بعد ذلك إلى مكة، حيث أقام لمدة تسع سنوات يدرس الفقه ويلتقي بالعلماء ويناظرهم ويناقشهم. ثم سافر إلى بغداد، حيث قدم طريقة جديدة في الفقه جمعت بين مدرستي أهل الحديث وأهل الرأي، مما جعل العلماء والفقهاء يجتمعون حوله ويتعلمون من علمه. بعد عامين من إقامته في بغداد، سافر إلى مصر.
استقر الشافعي في مصر عند أخواله من الأزد، وبقي فيها حتى وفاته. وهناك، ظهر له فقه جديد يختلف عن فقهه في بغداد، نتيجة لاختلاف العادات والتقاليد بين البلدين.[٢]
مسيرته العلمية
برز الإمام الشافعي في مجالات علمية متعددة، منها:
- أصول الفقه: اتفق العلماء على أن الإمام الشافعي هو أول من كتب في أصول الفقه، ورسالته الأصولية هي أول رسالة أصولية تصل إلينا. يعتمد مذهب الإمام الشافعي على الكتاب والسنة، ويعتبر السنة وسيلة لشرح القرآن الكريم. وقد اعتمد الإمام الشافعي على حديث الآحاد بشرط أن يكون الراوي ثقة عدلاً، ووضع شروطاً خاصة للحديث المرسل، أهمها أن يكون الراوي من كبار التابعين.
- مذهب الإمام الشافعي: تأسست أصول مذهب الإمام الشافعي على الكتاب والسنة، ثم على أقوال الصحابة، حيث يختار منها الأقرب إلى الكتاب والسنة. وإذا لم يجد، أخذ بأقوال الخلفاء الراشدين، ثم القياس. لم يعتمد الإمام الشافعي على الاستحسان والمصلحة العامة وعمل أهل المدينة. وكان مذهب الشافعي نقطة التقاء بين مذهبي أهل الحديث وأهل الرأي.
- فتاوى الإمام الشافعي: اختلفت فتاوى الشافعي في بغداد عن فتاواه بعد انتقاله إلى مصر، مما أدى إلى ظهور المذهب القديم والجديد. يعود هذا الاختلاف إلى اختلاف أحوال أهل مصر عن أهل العراق، حيث أخذ الإمام الشافعي في الاعتبار اختلاف المكان والزمان، بالإضافة إلى نضوجه العلمي والفقهي. فقام بإملاء وتدريس كتابه الجديد لتلاميذه، والذي عُرف باسم المذهب الشافعي الجديد.
أبرز معلميه
تلقى الإمام الشافعي العلم على يد العديد من العلماء، ومن أبرزهم:
- مسلم بن خالد الزنجي المكي: وردت عنه نصوص عديدة بطرق مختلفة ذكرها الفاكهي في كتابه.[٤]
- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي: كان من شيوخ الإمام الشافعي في صغره، وهو من أهل المدينة، وأحد علماء الحديث، وله كتاب الموطأ، ولكن أهل الحديث طعنوا فيه.
- إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري: كان من شيوخ الإمام الشافعي، ومن كبار العلماء الذين يُقتدى بهم، وله كتاب السير في الأخبار والأحداث.[٥]
أشهر تلاميذه
حمل علم الشافعي واهتم به عدد من تلاميذه، ومنهم:
- أبو بكر الحميدي المكي: يُعد من تلاميذ الإمام الشافعي في مكة، وكان صاحبه، تتلمذ على يد بعض شيوخ الإمام الشافعي، وعُرف بمُفتي أهل مكة، وروى عنه البخاري.
- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المطلبي: كان أحد تلاميذ وابن عم الإمام الشافعي في مكة، وحمل على عاتقه نشر المذهب الشافعي، وروى عنه ابن ماجه.
- أبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي: روى عن الإمام الشافعي الكثير من الأحاديث في مكة، وكان مُفتياً فيها، وروى عنه الإمام الترمذي.[٦]
مؤلفاته وإسهاماته
ترك الإمام الشافعي -رحمه الله- العديد من المؤلفات، منها:
- كتاب الأم: يعتبر أشهر كتب الإمام الشافعي، وجوهر المذهب الشافعي. يتألف الكتاب من ثمانية أجزاء، ويشتمل على مجموعة من العلوم الشرعية الأصيلة من الفقه، والحديث النبوي، والأصول الدينية، والحقوق العامة، والقانون، والاستنباط، والاجتهاد.[٧]
- الرسالة: هو كتاب في علم الأصول، يتحدث فيه عن أصول الفقه وبيان القرآن بالسنة والاحتجاج والناسخ والمنسوخ.[٨]
سماته ومآثره
اتصف الإمام الشافعي بمجموعة من الصفات الحميدة، منها:
- كان ورعاً متعبداً متواضعاً، وقد ورد عنه أنه كان يختم القرآن الكريم في صلواته في شهر رمضان ستين مرة.
- كان فصيحاً عالماً باللغة، وقد ورد عنه أنه كان أنطق الناس وأعلمهم باللغة وفصاحة اللسان وعلم البيان.
- كان فقيهاً عالماً بأحوال الدنيا والدين.
- كان صاحب مروءة وفطنة، فكان يترفع عن كل ما كان يوقع الناس في حرج وكل ما يُذهب فطنة الإنسان من الإسراف في الطعام.
- كان جواداً عادلاً سخياً مع أنه قد نشأ في عائلة فقيرة، ولكن عطائه كان كالنبع الذي لا ينضب.[٩]
أقواله ومواعظه
تميز الإمام الشافعي -رحمه الله- برجاحة عقله وفصاحة لسانه؛ وذلك بسبب جذوره الراسخة في عالم العلم من نسبه الرفيع، فقد صدر عنه الكثير من الحكم والمواعظ التي تؤكد أهمية العلوم الشرعية واللغة وكونها أبواباً لبلوغ الدرجات العُلى في الخُلق الحسن والمروءة.[١٠]
وإن رقة الفؤاد لا تكون إلا بتعلّم اللغة، وقوة الحُجة لا تكون إلا بتعلّم الفقه وعلومه، وقيمة الإنسان لا ترقى إلا بتمسّك الإنسان بالقرآن والسنة والفقه واللغة العربية ونحوها.[١٠]
مرضه ووفاته
عانى الإمام الشافعي -رحمه الله- من مرض البواسير، وقد بلغ فيه درجة متقدمة من الألم والعناء بسبب النّزيف الذي كان يملأ ثوبه، وكان يطلب من تلاميذه الدعاء المستمر له بتخفيف الكرب عنه لشدّة تألّمه، وتوفيّ الإمام الشافعي -رحمه الله- في مصر ليلة يوم الجمعة سنة مئتان وأربعة للهجرة، وكان عُمره أربعٌ وخمسون عاماً.[١١]
المراجع
- أبومقتدر حمدان عبدالمجيد،الإمام الشافعي وسيرته، صفحة 1-3. بتصرّف.
- أبومحمد أبو زهرة ،الإمام الشافعي حياته وعصره، صفحة 15-30. بتصرّف.
- عبدالكريم زيدان،المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية، صفحة 160. بتصرّف.
- أبو عبدالله الفاكهي،كتاب أخبار مكة الفاكهي، صفحة 64. بتصرّف.
- خير الدين الزركلي،كتاب الأعلام للزركلي، صفحة 59. بتصرّف.
- سراج الدين البلقيني،كتاب التدريب في الفقه الشافعي، صفحة 12-13. بتصرّف.
- عماد علي جمعة،كتاب المكتبة الإسلامية، صفحة 178. بتصرّف.
- مقتدر حمدان عبدالمجيد،الإمام الشافعي و سيرته، صفحة 14. بتصرّف.
- ابن أبي حاتم،كتاب آداب الشافعي ومناقبه، صفحة 78. بتصرّف.
- أبومحمد طارق محمد هشام مغربية،المذهب الشافعي دراسة عن أهم مصطلحاته وأشهر مصنفاته، صفحة 44. بتصرّف.
- أحمد فريد،كتاب من أعلام السلف، صفحة 12. بتصرّف.