افتتاحية
الحمد لله الذي اختار صفوة عباده وأحبهم، ووجه قلوبهم نحو عبادته وطاعته في كل لحظة وحين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالك القلوب والأبصار. الحمد لله الذي هدانا لصلاة الجمعة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
توصية بتقوى الله
أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي الضعيفة بتقوى الله وطاعته، وأحذركم ونفسي من معصيته ومخالفة أوامره. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ).
القسم الأول
يا معشر المسلمين، لقد مَنّ الله عليكم بيوم الجمعة، وشَرَعَ لكم فيه الاجتماع لتعم بينكم المحبة والألفة، والتواصل والتعاون. وقد أوجب الله عليكم صلاة الجمعة؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
ويُستحب قبل صلاة الجمعة الاغتسال، والتبكير إليها.
وقد جعل الله يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ).
ولذلك خص الإسلام هذا اليوم بفضائل وأحكام تميزه عن غيره، منها: صلاة الجمعة، وهي ركعتان.
وهي واجبة على كل مسلم: ذكر، بالغ، عاقل، مقيم. ولا تجب على المرأة، أو المريض، أو الصبي، أو المسافر. ولكن إن صلاها من لا تجب عليه، صحت وأجزأته. أما المسافر إذا نزل في مكان تقام فيه الجمعة، وجبت عليه.
وصلاة الجمعة جماعة تغني عن أربع ركعات من صلاة الظهر. ويحرم تركها بدون عذر. ومن تركها ثلاث مرات تهاوناً بها، طبع الله على قلبه. ويبدأ وقتها من بعد الزوال إلى نهاية وقت الظهر. وقد أجاز بعض الفقهاء أداءها قبل الزوال. ومن شروطها: أن تؤدى في وقت الظهر، وأن يحضرها ما لا يقل عن ثلاثة رجال من أهل البلد، وأن يسبقها خطبتان.
وينبغي للمصلي أن يغتسل ويتطيب، ويلبس أفضل الثياب عند الذهاب إلى صلاة الجمعة. ويستحب أن يذهب مبكراً، ويشتغل بالصلاة وقراءة القرآن والذكر. وقد أمر الله المؤمنين بالسعي إلى الصلاة وحضور الخطبة.
وأجمع المسلمون على وجوبها وفرضيتها، وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تركها أو التهاون بها. ومن أراد السفر في هذا اليوم، لا يجوز له السفر بعد الأذان حتى يصليها؛ لأنها وجبت في حقه وهو لا يزال مقيماً.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
القسم الثاني
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
عباد الله، اعلموا أن الله قد جعل لكم في هذا اليوم العظيم – يوم الجمعة – صلاة تؤدونها، يستوي الناس فيها جميعاً، وتزول جميع الفوارق والاعتبارات الدنيوية. فالجميع يقفون في صفوف متراصة متساوية.
يركعون ويسجدون جنباً إلى جنب، وجبهة إلى جبهة، تحت قيادة إمام واحد، ويتجهون إلى معبود واحد، ويلتقون حول هدف واحد. ولذلك اهتم الإسلام بآداب وأحكام خاصة بصلاة الجمعة، كالغسل والتطيب ولبس الثياب الحسنة.
ابتهال ودعاء
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، ونعوذ بك من الكفر والفقر، ومن عذاب القبر وعذاب النار.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
اللهم اجعل تجمعنا هذا تجمعاً مرحوماً.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته، ولا مبتلاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا إلى أهله سالماً غانماً رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها لنا يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
عباد الله، إن الله يأمركم بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المصادر
- سورة الحج، آية: 1-2
- سورة الجمعة، آية: 9
- صالح السدلان (1425)، رسالة في الفقه الميسر (الطبعة 1)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 46. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 854، صحيح.
- محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة 11)، السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 519-520. بتصرّف.
- محمد العثيمين (1988)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، السعودية: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 711، جزء 9. بتصرّف.
- عبد الله العلوي الشريفي، “فضل صلاة الجمعة”، ملتقى الخطباء. بتصرّف.