جدول المحتويات
مقدمة: صيانة الوسط المحيط أمر لا غنى عنه
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وهيأ له الكون من حوله، وجعل فيه مصالحه ومنافعه، مما يوجب عليه الحفاظ على هذا الكون من التدهور والتلوث. لا شك أن الإنسان هو الأكثر تفاعلاً مع الوسط المحيط، يسعى دائمًا لاستغلال الموارد المتاحة لتلبية احتياجاته الأساسية والثانوية. إلا أنه في الوقت نفسه، يُعتبر العنصر الأخطر على الوسط المحيط إذا ما استخدم الموارد بطرق غير مسؤولة أو تجاهل أهمية الحفاظ عليها. لذلك، يُعد الحفاظ على الوسط المحيط ضرورة حتمية ولا يمكن التهاون بها.
جوهر القضية: البيئة ازدهار دائم وليست استنزافًا
يشمل الوسط المحيط كل ما يحيط بالإنسان، سواء كانت كائنات حية أو غير حية، مثل الماء والهواء والتربة والكائنات الحية بمختلف أنواعها. هذه العناصر مترابطة فيما بينها وفق نظام معقد يؤثر بشكل كبير على حياة الإنسان وبقائه. إن تعامل الإنسان مع الوسط المحيط بشكل مستمر يجعله عرضة للخطر في كثير من الأحيان، حيث تهدد المشاكل البيئية حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى. ونتيجة لذلك، انقرضت العديد من الكائنات الحية، والعديد منها مهدد بالانقراض.
يعتبر الإنسان العنصر الأقوى والأكثر تأثيرًا في الوسط المحيط منذ القدم. ومع التقدم التكنولوجي المتسارع وتزايد احتياجاته ورغباته، ازدادت فرص إحداث تغييرات جوهرية في الوسط المحيط لتلبية تلك الاحتياجات. هذا الاستنزاف المتزايد للوسط المحيط قد أدى إلى مشاكل عديدة، مثل الاحتباس الحراري والتلوث الناتج عن المصانع والمركبات وتراكم النفايات نتيجة لزيادة عدد السكان. إضافة إلى ذلك، أدى الرعي الجائر وقطع الأشجار إلى مشكلة التصحر، كما تسبب التطور الصناعي والتكنولوجي في موت الحياة البرية والبحرية، والإفراط في استخدام الموارد الطبيعية. كل هذه المشاكل أثرت سلبًا على الإنسان والحيوان، مما أدى إلى ظهور الأوبئة وانقراض العديد من الحيوانات.
لا خلاف على أن الإنسان هو السبب الرئيسي في المشاكل البيئية وتدهور جودة الوسط المحيط وموارده. تكمن خطورة هذا الأمر في أن الضرر الناتج عن الاستنزاف لا يقتصر على الجيل الحالي فحسب، بل يمتد إلى الأجيال القادمة. كما يظهر الخطر في عدم الاهتمام والمبالاة، حيث يقوم البعض بقطع الأشجار دون إدراك للعواقب الوخيمة لهذا الفعل، ويرمي آخرون النفايات في البحار دون التفات إلى الأضرار التي يسببونها، ويشعل البعض النيران في النفايات دون اكتراث بالنتائج. وقد يفرط الأهل والجيران في استخدام المبيدات دون معرفة العواقب. لو تحمل كل فرد منا مسؤوليته، لما آلت النتائج إلى ما نشهده ونسمعه في حاضرنا.
يمكن تشبيه الحفاظ على البيئة واستنزافها بخزان ماء: فالخزان هو البيئة، والماء هو الموارد التي فيها. جاء رجلان إلى خزانهما، الأول استنزف الماء بغير وجه حق حتى نفد الخزان، فلم يجد ما يفعله حتى مات من العطش. أما الثاني، فاستغل الخزان خير استغلال ولم يستنزفه بغير وجه حق، فطال عمره. وهكذا البيئة، إن استنزفت مواردها ظلمًا عجلت بموتك وموت الكائنات من حولك، وإن قمت بصيانتها من خلال الاستغلال الحسن لها، قامت بمدك من خيراتها وهباتها. فالأمر كله منوط بيد الإنسان في التحكم في بيئته.
ولأن تفاعل الإنسان مع بيئته أمر لا مفر منه، فينبغي عليه أن يتحمل المسؤولية الكاملة تجاه البيئة، وألا يلقي باللوم على غيره. كما يجب الابتعاد عن الاستنزاف الذي يمثل الخطر الأكبر عليها، والمحافظة على جودتها لأمد طويل. إن الحفاظ على البيئة ليس فقط من أجل تلبية احتياجات السكان الحاليين، بل أيضًا من أجل الأجيال القادمة. وتتحقق صيانة البيئة من خلال تجنب إنتاج المواد الضارة، واعتماد أسلوب إعادة التدوير للمنتجات التي نستهلكها، والحد من النفايات بوسائل وطرق محددة.
إن دور المجتمع في الحفاظ على البيئة دور مهم ورئيسي، ويتحقق ذلك من خلال طرح برامج توعية لأفراده حول ماهية البيئة وأهميتها. يجب أن تبدأ هذه البرامج منذ الصغر، بحيث ينشأ الطفل على حب بيئته والمحافظة عليها، حتى يصل إلى مرحلة البلوغ وقد ترسخ مفهوم صيانة البيئة في ذهنه. كما يجب على المجتمع المساهمة في نشر الثقافة البيئية من خلال وسائل التعليم والإعلام، أو من خلال خطباء المساجد، أو من خلال المهتمين بمجال البيئة في المجتمع.
نستخلص من حديثنا حول الدور الذي يقع على عاتق الأفراد والمجتمع أن الحفاظ على البيئة ليس مسؤولية فرد دون آخر، أو مجتمع دون آخر، بل هي مسؤولية الجميع. فالبيئة هي الوسط الذي نعيش فيه، وسلامتها تعني سلامة الكائنات جميعًا، بما في ذلك الإنسان، واستنزافها يعني استنزاف أعمار الكائنات كلها. لذلك، حري بنا كأفراد ومجتمعات أن نسعى لصيانتها قدر الإمكان، وألا نرد الجميل الذي تقدمه لنا بأفعالنا القبيحة تجاهها. فإن رددنا الجميل بجميل الأفعال، أغدقت علينا البيئة بالعديد من الهبات التي أودعها الله فيها.
الخاتمة: بيئتنا عطية يجب الحفاظ عليها
ختامًا، إن من أعظم النعم التي وهبها الله للإنسان هي البيئة التي يعيش فيها، والتي هيأ له فيها سبل العيش. هذه النعمة تحتاج إلى حفظ ورعاية واهتمام متزايد لكي تدوم له ويستمتع بها. فإن تجاهلها ولم يبال بها، زالت النعمة نتيجة للمشاكل البيئية المتزايدة التي تسبب الضرر والأذى الكبير له وللكائنات من حوله، وقد يصل هذا الضرر إلى تهديد حياته وحياة الكائنات من حوله. لذلك، يجب عليه أن يحرص كل الحرص على بيئته، وأن يتبع سبل المحافظة عليها، وأن يقف موقفًا حازمًا ضد من يسعى في استنزافها ظلمًا.