أهمية السلوك الرفيع في الإسلام
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الكثير من الآيات والأحاديث التي تُظهر أهمية السلوك الرفيع ومكانته العظيمة عند الله سبحانه وتعالى. إن تحلي الإنسان بالأخلاق الفاضلة وانعكاسها في تصرفاته، سواء في حالات الرضا أو الغضب، يُعتبر من أعظم الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه. وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:
“ما مِن شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حَسنٍ”.
كما أوصى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عبد الله بن عمرو قائلاً:
“أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتَك من الدُّنيا حفظُ أمانةٍ، وَصِدْقُ حديثٍ، وحُسنُ خلقٍ، وعفَّةٌ في طُعمةٍ”.
يتضح من هذين الحديثين الشريفين أن السلوك الرفيع يجمع بين فضائل الدنيا والآخرة. فالحديث الأول يشير إلى أن السلوك الرفيع قد يكون سبباً في دخول الجنة والنجاة من النار بفضل وزنه الثقيل في الميزان. أما الحديث الآخر، فيؤكد أن الشخص الذي يتحلى بأخلاق عالية لا يضره ما فاته من أمور الدنيا.
بناءً على ذلك، حث الله سبحانه وتعالى عباده على التمسك بأحسن الأخلاق، وفصل بعضها في آيات كريمة، كما في قوله تعالى:
“خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”.
ما هو مفهوم السلوك الرفيع؟
الأخلاق هي مجموعة من الصفات الثابتة والراسخة في نفس الإنسان، وليست مجرد تصرفات عابرة أو مؤقتة. إنها تمثل نمطاً سلوكياً معتاداً يتكرر كلما سنحت الفرصة. الصفة العارضة لا تعتبر خلقاً بالمعنى الحقيقي. وقد قال الغزالي -رحمه الله-: “الخلق عبارة عن هيئةٍ في النفس راسخةٍ، عنها تصدر الأفعال بسهولةٍ ويُسرٍ، من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويّةٍ”.
أما التعريف الخاص للسلوك الرفيع، فيعني الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في كل جوانب الحياة، سواء ما أمرنا بفعله أو ما نهانا عن تركه. وقد عبر النبي -عليه السلام- عن ذلك بقوله:
“البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ”.
ركائز أساسية في السلوك الرفيع
الحياء هو جوهر الأخلاق في الإسلام، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:
“إنَّ لكلِّ دِينٍ خُلقاً وخلقُ الإسلامِ الحياءُ”.
يتجلى الحياء في عدة مستويات، أعلاها حياء الإنسان من ربه، وذلك بحفظ نفسه وعقله وقلبه من كل ما يغضب الله تعالى. يليه الحياء من رسوله -عليه السلام- من خلال محبته واتباع سنته. ثم يأتي الحياء من الناس، والذي يتجلى في حسن الكلام والفعل وتجنب القبيح والمجاملات الزائفة.
الحياء هو دليل على الخير كله، لما يشتمل عليه من سمو في طبع المسلم. أما الزهد، فقد عرفه ابن تيمية بأنه ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدنيا، أي الابتعاد عن الكماليات التي لا تساعد على طاعة الله عز وجل. يتحقق الزهد الكامل عندما يدرك المرء حقيقتين أساسيتين: الأولى، التأمل في طبيعة الدنيا الفانية وسرعة زوالها. والثانية، التفكر في حقيقة الآخرة والرغبة في نعيمها الدائم.
وقد بين الله تعالى حقيقة الدنيا في الآيات الكريمة، وحث على الزهد فيها، فقال:
“اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”.
الصدق هو صفة أساسية يتحلى بها المؤمنون ويسعون إليها في جميع الظروف. وقد ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: “عليك بالصدق وإن قتلك”. ولخص النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فضل الصدق وعاقبته الحميدة بقوله:
“إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ حتَّى يَكونَ صدِّيقًا”.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم: نموذج السلوك الرفيع
كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قدوة حسنة في الزهد والإعراض عن الدنيا. فقد روي أنه كان يمضي عليه الشهور دون أن توقد نار في بيته لطهي الطعام، وكان طعامه يقتصر على التمر والماء. كان فراشه من جلد، وينام على الحصير دون اكتراث. وقد اقتدى الصحابة والتابعون به في ذلك، حيث أوصى أحد الزهاد أخاه قائلاً: “دع همّ الدنيا لأهلها كما تركوا همّ الآخرة لأهلها”.
كما كان النبي -عليه السلام- مثالاً للأمانة، حتى أن أعداءه من اليهود كانوا يضعون أماناتهم عنده، واثقين بعدم غدره أو خيانته. وقد أوفى رسول الله بأمانته حين هاجر إلى المدينة المنورة، فاستخلف علياً -رضي الله عنه- ليؤدي الأمانات إلى أهلها ثم يلحق به. وقد أمر الله -سبحانه- عباده بأداء الأمانات، فقال:
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا”.
فيديو توضيحي حول السلوك الرفيع وأهميته
لتعزيز فهمك لمفهوم السلوك الرفيع وأهميته، يمكنك مشاهدة الفيديو التالي:
(سيتم إضافة رابط الفيديو هنا)
المراجع
- الألباني، صحيح الترمذي، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم: 2002.
- المنذري، الترغيب والترهيب، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3/16.
- سورة الأعراف، آية: 199.
- الألباني، صحيح الجامع، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 2880.
- ابن عبدالبر، التمهيد، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 21/142.
- سورة الحديد، آية: 20.
- أبو نعيم، حلية الأولياء، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 8/424.
- سورة النساء، آية: 58.