فهرس المحتويات
تمهيد حول الغزل العذري
يُعد الغزل العذري لونًا من ألوان الشعر العربي الأصيل، وقد اكتسب هذه التسمية نسبةً إلى قبيلة بني عذرة، الذين عُرفوا بعشقهم العفيف وإخلاصهم الشديد لمحبوباتهم. ازدهر هذا النوع من الشعر في العصر الأموي، وتميز بنقاء العاطفة وصدقها، والبعد عن الوصف الحسي للمرأة، والتركيز على جمالها الروحي والأخلاقي.
السمات المميزة لشعر قيس بن ذريح العذري
تميز شعر قيس بن ذريح العذري بصفات وخصائص فنية وجمالية فريدة، جعلته من أبرز شعراء هذا اللون، ومن هذه الصفات:
- تصوير محاسن المحبوبة: يركز قيس في شعره على وصف الصفات الحميدة والأخلاق النبيلة لمحبوبته، دون الخوض في تفاصيل جسدها أو مفاتنها الجسدية.
- التعبير عن العواطف الجياشة: يصف قيس حبه وهيامه بـ لبنى، ويعبر عن أشواقه ومشاعره الصادقة تجاهها، ويصور مدى صعوبة الحياة بدونها بعد الفراق.
- صدق الإحساس: يتميز شعره بالصدق في التعبير عن المشاعر والأحاسيس، مما يجعله مؤثرًا وقريبًا من القلب.
- العفة في وصف المحبوبة: يتسم شعره بالعفة والنزاهة في ذكر المحبوبة، والابتعاد عن أي ألفاظ أو معانٍ خادشة للحياء.
- الدخول المباشر للموضوع: يبدأ قصائده بذكر المحبوبة مباشرةً، دون الحاجة إلى مقدمات أو تمهيدات طويلة.
- وصف الألم الناتج عن الفراق: يصور قيس في شعره مدى الألم والمعاناة التي يشعر بها بسبب بعده عن لبنى.
- الإخلاص المطلق: يظهر في شعره إخلاصه التام لحبه لـ لبنى، واستحالة أن يتغزل بغيرها.
- سهولة الألفاظ ووضوح المعاني: يتسم شعره بالبساطة والوضوح في الألفاظ والمعاني، مما يجعله سهل الفهم والاستيعاب.
أمثلة شعرية من روائع قيس بن ذريح
من جميل شعر قيس بن ذريح:
قال قيس بن ذريح:
خَليلَيَّ مالي قَد بَليتُ وَلا أَرى:::لُبَينى عَلى الهِجرانِ إِلّا كَما هِيا
أَلا يا غُرابَ البَينِ مالَكَ كُلَّما:::ذَكَرتَ لُبَينى طِرتَ لي عَن شِمالِيا
أَعِندَكَ عُلمُ الغَيبِ أَم لَستَ مُخبِري:::عَنِ الحَيِّ إِلّا بِالَّذي قَد بَدا لِيا
فَلا حُمِلَت رِجلاكَ عُشّاً لِبَيضَةٍ:::وَلا زالَ عَظمٌ مِن جَناحِكَ واهِيا
أُحِبُّ مِنَ الأسماءِ ما وافَقَ اِسمَها:::وَأَشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
وَما ذُكِرَت عِندي لَها مِن سَمِيَةٍ:::مِنَ الناسِ إِلّا بَلَّ دَمعي رِدائِيا
وقال أيضًا:
أَلا حَيِّ لُبنى اليَومَ إِن كُنتَ غادِيًا:::وَأَلمِم بِها مِن قَبلِ أَن لا تَلاقِيا
وَأَهدي لَها مِنكَ النَصيحَةَ إِنَّها:::قَليلٌ وَلا تَخشَ الوُشاةَ الأَدانِيا
وَقُل إِنَّني الراقِصاتِ إِلى مِناً:::بِأَجبُلِ جَمعٍ يَنتَظِرنَ المُنادِيا
أَصونُكِ عَن بَعضِ الأُمورِ مَضَنَّةً:::وَأَخشى عَلَيكِ الكاشِحينَ الأَعادِيا
قصة حب قيس ولبنى
قيس بن ذريح هو شاعر من العصر الأموي، ينتمي إلى قبيلة كنانة. يعتبر قيس من أشهر العاشقين المتيمين في التاريخ العربي، وذلك بسبب قصة حبه العذري لـ لبنى بنت حباب الكعبي، التي كانت تسكن في المدينة المنورة. بدأت قصة حبهما عندما رآها قيس صدفةً أثناء سفره، حيث كان يبحث عن مكان ليستريح فيه ويشرب الماء، فأسره جمالها من النظرة الأولى.
واجهت علاقتهما العديد من الصعوبات والتحديات، فعلى الرغم من حبه الشديد لها، رفض والدا قيس زواجه منها، وأصروا على أن يتزوج ابنة عمه. لكنه رفض في البداية، ثم رضخ لضغوطهم وتزوجها، إلا أن زوجته كانت عقيماً لا تنجب. فطلبت والدة قيس منه تطليقها والزواج بامرأة أخرى. وأصر والده أيضاً على هذا الأمر، حتى أنه أقسم بألا يبقى في بيت واحد مع قيس إذا بقيت لبنى زوجة له. فاضطر قيس إلى تطليقها، وتأثر فراقها به بشدة، وأصبح يكتب القصائد في وصف حبه لها ليل نهار.
بعد فترة، تزوج قيس بامرأة أخرى، وعندما سمعت لبنى بالخبر، حزنت حزناً شديداً ووافقت على الزواج من خالد الغطفاني. وبعد زواجها بفترة، أخبرت لبنى زوجها بأنها لم تتزوجه رغبةً فيه، وإنما خوفاً على قيس من رجال قبيلتها. تدخل الحسين بن علي رضي الله عنهما في الأمر، وذهب إلى دار الغطفاني وطلب منه تطليق زوجته، ففعل. بعد ذلك، أعاد قيس لبنى زوجةً له، وظلت زوجته حتى وفاتها، وبعد ثلاثة أيام توفي قيس حزناً عليها.
المراجع
- علاء الدين مغلطاي بن قليج الحنفي، الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين، صفحة 175. بتصرّف.
- عبدالرحمن المصطاوي، كتاب ديوان قيس بن ذريح، صفحة 22-43. بتصرّف.
- “خليلي مالي قد بليت ولا أرى”، الديوان.
- “ألا حي لبنى اليوم إن كنت غاديا”، الديوان.
- أبتداود الأنطاكي، كتاب تزيين الأسواق في أخبار العشاق، صفحة 37-41. بتصرّف.
