تمهيد
تعتبر قصة النبي يوسف عليه السلام من أروع القصص التي وردت في القرآن الكريم، وتتضمن دروسًا وعبرًا عظيمة في الصبر، والثقة بالله، وحسن التدبير. أحد أبرز محطاتها هو خروجه من السجن، الذي لم يكن مجرد نهاية لفترة عصيبة، بل بداية لمرحلة جديدة من حياته مليئة بالمسؤولية والنفوذ.
ملابسات الدخول إلى السجن
نشأ يوسف عليه السلام في بيت عزيز مصر، وكان يتمتع بجمال فائق. وقد أثار هذا الجمال إعجاب امرأة العزيز، فحاولت إغراءه ودعوته إلى فعل الفاحشة، لكنه امتنع ورفض بشدة، مستعيذًا بالله من الوقوع في الخيانة. قال تعالى في سورة يوسف: “قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”.
بعد ذلك، انتشرت الإشاعات بين نساء المدينة حول علاقة امرأة العزيز بغلامها، فقامت بدعوتهن إلى وليمة وأعطت كل واحدة منهن سكينًا، ثم أمرت يوسف بالدخول عليهن. فلما رأينه، بهرن بجماله وجرحن أيديهن دون أن يشعرن. فقالت امرأة العزيز: هذا هو الذي لمتنني فيه، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين. فدعا يوسف ربه قائلًا: “قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ”، فاستجاب له ربه وصرف عنه كيدهن، ودخل السجن.
دعوة يوسف عليه السلام في غياهب السجن
لم يستسلم يوسف عليه السلام لظروف السجن القاسية، بل استغل هذه الفترة في الدعوة إلى الله وتعليم السجناء. كان يدعوهم إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام، ويذكرهم بعظمة الله وقدرته. وكان يتمتع بموهبة تفسير الأحلام، فكان يفسر لهم رؤاهم، وتتحقق تفسيراته كما أخبرهم، مما زاد من ثقتهم به وإيمانهم بدعوته.
توالي الأحداث بعد مغادرة السجن
بعد فترة قضاها يوسف عليه السلام في السجن، رأى ملك مصر رؤيا أقلقته وأحارته، ولم يستطع أحد من حاشيته تفسيرها. فتذكر ساقي الملك يوسف عليه السلام وقدرته على تفسير الأحلام، فأخبر الملك عنه. فأرسل الملك إليه يطلب تفسير الرؤيا. ففسرها يوسف بأن البلاد ستشهد سبع سنوات من الرخاء والخصب، تتبعها سبع سنوات من الجفاف والقحط. وأشار عليه بكيفية التعامل مع هذه الأزمة، فاستحسن الملك رأيه وأعجب بحكمته. قال تعالى: “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”.
رفض يوسف عليه السلام الخروج من السجن قبل أن تظهر براءته، فأمر الملك بالتحقيق في قضية امرأة العزيز والنساء اللاتي قطّعن أيديهن. فاعترفن ببراءة يوسف وأقرّت امرأة العزيز بخطئها. قال تعالى: “قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ”.
بعد أن ظهرت براءة يوسف، أخرجه الملك من السجن وعينه على خزائن الأرض. ثم جاء إخوة يوسف إلى مصر في سنوات القحط، فتعرف عليهم يوسف ولم يعرفوه. طلب منهم أن يحضروا أخاهم من أبيهم في المرة القادمة. وعندما عادوا بأخيهم، وضع يوسف الصواع في رحل أخيه ثم اتهمهم بالسرقة. وبعد سلسلة من الأحداث، كشف يوسف عن هويته لإخوته وعفا عنهم. ثم طلب منهم أن يأتوا بأبيهم وأهلهم جميعًا إلى مصر. قال تعالى: “اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ”.
ذهب إخوة يوسف إلى أبيهم وألقوا القميص على وجهه، فعاد إليه بصره. ثم ذهبوا جميعًا إلى مصر، واستقبلهم يوسف استقبالًا حافلًا. ورفع أبويه على العرش وشكر الله على نعمه. قال تعالى: “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”.
خاتمة
إن قصة خروج يوسف عليه السلام من السجن تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر. فهي تعلمنا أن الصبر والثقة بالله هما مفتاح الفرج، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين. كما تعلمنا أهمية الدعوة إلى الله في كل الظروف، وأن الابتلاءات قد تكون سببًا في رفعة العبد وتمكينه في الأرض.
