مقدمة
تحكي هذه الرواية قصة رجل يعاني الفقر، تصادفه مواقف غريبة تكشف له عن جوانب غير متوقعة في الحياة والمجتمع. تبدأ الحكاية بظروف معيشية صعبة، ثم تتطور إلى سلسلة من الأحداث المثيرة التي تحمل في طياتها دروسًا في الكرم، والمصير، وقيمة الحياة. هذه القصة مليئة بالعبر والتفاصيل التي تستحق التأمل.
معاناة الفقير مع زوجته
يحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك رجل فقير يعيش في قرية صغيرة. كانت زوجته تتميز بطباعها الحادة وكثرة انتقادها له. كان هذا الرجل يتجنب دعوة الضيوف إلى منزله خشية من سلوك زوجته غير اللائق معهم. ضاق صدره بتلك الحياة البائسة وقرر الرحيل بحثًا عن حياة أفضل.
إعجاب الفقير بسخاء البقال
في الصباح الباكر، غادر الرجل منزله حاملًا حقيبة صغيرة تحتوي على بعض ملابسه. لم يكن لديه وجهة محددة، بل كان كل ما يريده هو الابتعاد عن منزله وحياته السابقة. استمر في السير طويلًا حتى وصل إلى قرية أخرى في وقت متأخر من الليل. كان متعبًا وجائعًا وملابسه متسخة. توجه مباشرة إلى دكان البقال الذي كان لا يزال مفتوحًا. طلب منه قطعة جبن لتهدئة جوعه. استقبله البقال بابتسامة وسأله عما إذا كان يحتاج خبزًا أيضًا. نظر الفقير حوله ولم يجد أي خبز في الدكان.
أشار البقال إلى المخبز المجاور وطلب من الفقير أن يذهب ويطلب رغيفًا من الخباز وأن يسجله على الدفتر. تعجب الفقير كيف يمكن للخباز أن يعطيه خبزًا دون مقابل أو معرفة سابقة. ومع ذلك، أصر البقال على أن يذهب الفقير إلى المخبز. لم يجد الفقير مفرًا من تلبية طلبه، فجوعه كان شديدًا. ذهب إلى المخبز وطلب رغيفًا على أن يسجله على الدفتر، محاولًا إخفاء وجهه توقعًا لرد فعل سلبي. لكنه فوجئ بالخباز يعطيه الرغيف ويسجله على الدفتر. عاد الفقير إلى البقال وهو في حالة من الدهشة، فأعطاه البقال بعض الجبن وسجله على الدفتر أيضًا.
كشف سر الدفتر
عاش الفقير في هذه القرية الغريبة لمدة عام كامل، يأكل ويشرب وينام على حساب الدفتر. استأجر بيتًا وقام بتأثيثه وتزيينه بشكل فاخر، كل ذلك على حساب الدفتر. في أحد الأيام، ذهب الفقير إلى البقال وسأله عما إذا كان يمكنه الزواج على حساب الدفتر أيضًا، بما أن كل شيء آخر كان كذلك.
ضحك البقال وطلب منه أن يذهب إلى النبع ويختار الفتاة التي تعجبه ثم يتبعه إلى منزلها ليعرف مكان إقامتها. بعد ذلك، سيذهب البقال معه إلى والد الفتاة ليطلب يدها للزواج على حساب الدفتر. فعل الفقير ما طلبه منه البقال واختار الفتاة وعاد إليه. ذهب البقال مع الفقير إلى والد الفتاة وقال له إن هذا الرجل يرغب في الزواج من ابنته على حساب الدفتر. وافق والد الفتاة، لكنه سأل الخاطب عما إذا كان يعرف قصة الدفتر وما يترتب عليه إذا تزوج على هذا الأساس. أجاب الفقير بأنه لا يعرف شيئًا، وأنه يعيش في القرية منذ عام ويأكل ويشرب ويسكن على حساب الدفتر، ويريد أن يكون زواجه كذلك.
قال والد الفتاة: “سوف أخبرك قصة الدفتر، وبعد ذلك تقرر ما إذا كنت تريد الاستمرار في هذا الزواج أم لا. قصة الدفتر باختصار هي أنه إذا ماتت الزوجة قبل زوجها، فإنه يُدفن حيًا معها، وإذا مات الزوج قبل زوجته، فإنها تُدفن حية معه.”
فكر الرجل مليًا قبل أن يتكلم. كان عمره قد تجاوز الأربعين، والمرأة لم تتجاوز العشرين. اعتقد أن الموت بعيد عنهما وقرر إتمام الزفاف والموافقة على الزواج حسب قواعد الدفتر. شاء الله أن تموت الزوجة بعد أسبوعين. حملت جنازتها إلى المقبرة ومعها زوجها، وأنزلت جثة الزوجة والزوج إلى غرفة القبر – حيث كانوا لا يدفنون في قبور عادية، وإنما في غرفة كبيرة تحت الأرض. في الوقت نفسه، كان هناك رجل ميت وزوجته الشابة ينزلان معًا إلى غرفة الدفن، لأنهما كانا قد تزوجا على الدفتر.
نجاة الفقير من القبر
اتفق الفقير مع الزوجة الشابة على التعاون. جلسا خلف الجثث المتراكمة، وسمعا صوت طحن عظام. نظرا فوجدا ضبعًا كبيرًا يأكل من الجثث. قال الرجل لزوجته: “هذا الضبع لم يكن موجودًا هذا الصباح، وسوف يغادر بعد أن يشبع.” طلب الرجل من زوجته أن تساعده في جمع الأكفان عن جثث الموتى ليصنع منها حبلًا. وضع الحبل حول الفتحة التي دخل منها الضبع. بعد أن أكل الضبع وشبع، خرج متثاقلًا من الفتحة.
قام الرجل والمرأة بشد الحبل حول بطن الضبع. شعر الضبع بضغط الحبل وذعر وهرب مسرعًا وهو يسحب الرجل والمرأة معه. رغم الألم الذي أصابهما جراء سحبهما على الصخور، إلا أنهما تمسكا بالحبل. بدت لهما بعض أشعة نور القمر تخترق الظلام. عندئذٍ تركا الحبل وهرب الضبع. بعد فترة وجدا نفسيهما في أرض بعيدة عن القرية التي دفنتهما، وعاشا بها حياة سعيدة وهانئة.
قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
(الأنفال: 33).
وفي الحديث: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة
.