مدخل إلى عالم القصص الخيالية
القصة هي سرد لأحداث متخيلة، تتميز بالاعتماد الكبير على الخيال، والقدرات الخارقة للشخصيات الرئيسية. تتنوع في طرحها للقضايا، فمنها ما يتناول الحياة والموت، أو الغنى والفقر، بهدف غرس القيم الأخلاقية، وتقديم العبر، بالإضافة إلى وظيفتها الترفيهية. تعتبر القصص جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي، حيث تنتقل من جيل إلى جيل، محملة بالعادات والتقاليد، والتجارب الإنسانية. ومن بين هذه القصص، تبرز قصة الفتى الذكي حسن، التي تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر، والتي سنتناولها بالتفصيل في السطور التالية.
تفاصيل حكاية الفتى الذكي حسن
كان يا ما كان، في قديم الزمان، تاجر ثري يعيش بمفرده مع ابنه الذكي والفطن، حسن. عندما شعر التاجر بقرب نهايته، نادى ابنه وقال له: “يا بنيّ إني أشعر بقرب أجلي، وأنا أهبك كل مالي الذي أملك، قصري الجميل هذا بغرفة الأربعين، وإليك مفاتيحها، ولكن أطلب منك إلا تفتح الغرفة رقم أربعين، لأنّ ذلك سيجر عليك المتاعب والمصائب”.
بعد وفاة التاجر، حزن حسن عليه ودفنه، ثم عاد إلى القصر وعاش فيه وحيداً. بعد مرور عدة أيام، قرر استكشاف غرف القصر. بدأ بفتحها واحدة تلو الأخرى، فوجد فيها كنوزاً من الذهب والفضة والجواهر. عندما وصل إلى الغرفة رقم أربعين، تردد في البداية، لكنه قرر في النهاية فتحها، قائلاً لنفسه: “سأفتحها مهما كلفني الأمر”.
أدخل حسن المفتاح في الباب ويداه ترتجفان، لكنه تفاجأ بما وجده. لم يكن في الغرفة سوى طاولة صغيرة عليها كوب من الماء يحتوي على شعرة طويلة تضيء كأنها شمعة. وقف حسن متسائلاً: “ترى من رأس أي امرأة هذه الشعرة؟”.
كانت الغرفة تطل على قصر الملك. وبينما كان الملك يتجول مع وزيره، لاحظ ضوءاً ساطعاً منبعثاً من الغرفة. عندما ركز نظره، رأى حسن يحمل شيئاً مضيئاً في يده. أمر الملك وزيره بإحضار حسن والشيء الذي يحمله. ذهب الوزير إلى حسن وطلب منه إعطائه الشيء، لكن حسن رفض. غضب الوزير وهدد حسن بالقتل، فطلب منه حسن مهلة للتفكير. وافق الوزير، فقام حسن بدفعه وهرب بالحصان الذي تركه له والده، حاملاً معه الكوب والشعرة.
انطلق حسن بالحصان، الذي كان في الأصل من ملوك الجان، لكن حسن لم يكن يعلم ذلك. عندما نزل عن الحصان وكان الحزن بادياً عليه، سأله الحصان: “ما الذي يحزنك؟”. فزع حسن من الأمر، فأخبره الحصان بحقيقته ونصحه بإعطاء الكوب للوزير وعدم الخوف. ذهب حسن إلى الوزير وأعطاه الكوب، فأخذه الوزير إلى الملك. عندما رأى الملك النور المنبعث من الشعر، قال: “إن كان هذا النور ينبعث من هذه الشعرة، فكيف تكون صاحبتها؟”. أمر الملك حراسه بالبحث عنها وإحضارها. اقترح الوزير أن حسن قد يعرف من تكون الفتاة، وطلب من الملك أن يأمر حسن بإحضارها وإلا قتله. وافق الملك على رأي الوزير.
ذهب الوزير إلى حسن وقال له: “إن الملك يريد صاحبة الشعرة، فإن لم تأته بها فسوف يقتلك”. حاول حسن إقناع الوزير بأنه لا يعرفها، لكن الوزير لم يصدقه وأمهله مدة قصيرة حتى يأتي بها. ذهب حسن إلى الحصان مذعوراً وأخبره بطلب الملك. قال له الحصان: “لا تخف، سأعلمك كيف تنتقم من الوزير وكيف تأتي بصاحبة الشعرة”.
أكمل الحصان: “اذهب إلى الملك واطلب منه أن يجهز لك سفينة محملة بالذهب والفضة من صندوق الوزير، وقل له بأنّ طلبك لا يمكن تحقيقه إلا بهذه الطريقة، وعندما يجهز لك هذه السفينة انطلق بها إلى أوّل شاطئ يطل عليك، فترسو هناك وتعرض ما فيها على الناس، فيأتي إليك رجل أسود، وشفتاه غليظتان، ومعه فتاة جميلة كالقمر، فإذا أرادا الصعود إلى السفينة فاصعد الفتاة وحدها، وانطلق بالسفينة إلى البحر، وتوجّه بها إلى الملك فوراً.”
نفذ حسن نصيحة الحصان. وعندما رأت الفتاة نفسها في السفينة غضبت، ونزعت خاتمها من يدها، ورمته في البحر. ذهب حسن إلى الملك يخبره بذلك، فطلب الملك رؤية الفتاة، لكنها اشترطت أن يأمر الملك حسن بإحضار خاتمها الذي سقط منها في البحر، وهدّده بالقتل إن لم يفعل.
ذهب حسن إلى الحصان مهموماً، وأخبره بما حصل، فقال له الحصان: “لا تخف، أطلب من الحصان أن يجهز لك قارباً مملوءاً بالأطعمة الفاخرة من مال الوزير، ثمّ خذه واذهب إلى عرض البحر، وانتظر ما يحدث.”
فعل حسن الأمر الذي طلبه منه الحصان، فوقف في عرض البحر وانتظر، وما هي إلا لحظات حتى بدأت الطيور تأكل من الطعام، وصعدت الأسماك أيضاً كي تأكل، فقالت سمكة: “من فعل هذا المعروف مهنا؟” فأجابها حسن: “أنا”، فقالت وماذا تريد مقابل ذلك، فأخبرها بأمر الخاتم، فذهبت إلى قاع البحر تبحث عنه، ووجدته، ثمّ ذهبت إلى حسن، وأعطته إياه، فأسرع به إلى الفتاة، ووضعته في إصبعها.
رفضت الفتاة الذهاب للملك وطلبت منه إحضار غرفتها من قصر والدها، فذهب حسن للوزير وطلب منه المساعدة، فذهب حسن إلى الحصان بطلب منه المساعدة، فقال له الحصان: “لا تخف، واطلب من الوزير أن يملأ لك قارب من التحف النفيسة من كيس الوزير، واذهب بالقارب إلى الشاطئ الذي خطفت به الفتاة، سيأتيك الرجل الأسود الذي خطفت الفتاة منه، ويسألك عنها، اقطع رأسه، واحمله على رأسك، وبذلك تنطلق الغرفة من القصر، وتأتيك”. فعمل حسن ما أشار به الحصان، وجاءت الغرفة إلى حديقة الملك.
رفضت الفتاة أن ترى الملك، وطلبت منه أن يحرق حسن كي تراه، فذعر حسن وندم على مخالفة أمر والده، وطلب من الملك أن يمهله يوماً حتى يودع أصدقاءه، فلم يجد حسن ملجأً إلا الحصان، فأخبره بما حصل، فقال الحصان: “فقال له: لا تخف، اركب على ظهري، واتركني حتى أعرق وأتعب، فاجمع عرقي، وضعه في ماء ساخن، واغسل نفسك فيه، واذهب وسلم نفسك للحرق”. ففعل حسن ذلك.
جمع الملك أهل المدينة، وأشعل نار عظيمة، ووضع حسن فيها، فلم يحترق، فدهش الناس، واستدى الملك حسن لكي يسأله عن السر، فأراد حسن أن ينتقم منه ومن وزيره فقال: “لقد حماني أسلافكم، أتوا إلى النار وحموني، وهم غاضبون منكم، ولا يرضون إلا أن تضعوا أنفسكم في نار عظيمة ثمّ يأتون وينقذونكم”. أمر الملك بإشعال النار، ودخل هو والوزير، فاحترقا وماتا.
فلما رأى الناس أن حسن نجا من الحريق بينما احترق الملك والوزير ظنّ الناس بأنّ حسن صدّيق. دعا حسن الفتاة وخيرها بين أن تبقى معه أو أن تعود إلى بلادها، فأجابته أنها تريد البقاء معه، فذهب حسن إلى الحصان يسأله ماذا يصنع له حتى يكافأه، فأجابه الحصان: “أن تطلقني من قيدي هذا لأعود ملكاً من ملوك الجن كما كنت”، فسأله حسن: وكيف أفعل ذلك؟ فأجابه الحصان: “بأن تخلع عني رسني من عنقي وتحرقه، فأعود كما كنت”. فعل حسن ذلك، وإذا بالحصان يختفي، ويضرب بقدميه في الأرض، ويودعه، فطار إلى مملكته في وادي الجن.
الدروس المستفادة من الحكاية
توضح لنا هذه الحكاية أهمية الاستماع إلى نصائح الأهل والابتعاد عن المتاعب، كما تعلمنا أن الذكاء والفطنة يمكن أن يساعدان في التغلب على أصعب المواقف، وأن الصدق والأمانة هما الطريق إلى النجاح والسعادة.