قراءة نقدية لمسرحية في انتظار جودو

تحليل نقدي لمسرحية في انتظار جودو. دراسة الشك والثقة في مسرحية في انتظار جودو. دراسة الشخصيات في مسرحية في انتظار جودو. دراسة الأسلوب في المسرحية.

لمحة عامة عن مسرحية في انتظار جودو

تدور أحداث مسرحية “في انتظار جودو” حول فكرة الانتظار الذي لا جدوى منه، حيث تتمركز الأحداث حول شخصيتين رئيسيتين، فلاديمير وإستراغون، وهما جالسان على جانب الطريق في انتظار شخص يدعى جودو. يأمل الاثنان أن يغير قدوم جودو وضعهما البائس وأن يجدا ملجأً، إضافة إلى الطعام والشراب والعمل. ومع ذلك، نجد أنفسنا أمام مشهد انتظار دائم دون أي فعل حقيقي.

تتميز الشخصيتان الرئيسيتان بالعبثية، حيث تدور حواراتهما في أمور غير مترابطة، ويقضيان وقتهما في انتظار جودو، الذي لا يظهر أبدًا في المسرحية. لا نعرف عن جودو سوى أنه قادم، لكنه لا يصل أبدًا. يستمر فلاديمير وإستراغون في انتظاره دون فائدة، ويستمران في حواراتهما العبثية التي لا تنتهي.

كل يوم، يظهر صبي صغير ليخبر فلاديمير وإستراغون أن جودو يعتذر عن عدم المجيء اليوم وأنه سيأتي في الغد. المفارقة تكمن في أن فلاديمير وإستراغون يصدقان ذلك ويستمران في هذا الوضع مرارًا وتكرارًا دون تفكير أو تذكر الماضي. بل يسألان الصبي عن جودو وكيف يعامله.

تعكس هذه المسرحية الفكر العبثي الذي يعبر عن حالة اللاهدف. يتنصل الكاتب من الواقع ويسخر من فكرة الحياة القائمة على وضع الأهداف والعمل على تحقيقها. كما يسخر من فكرة انتظار الخلاص والسعي للحصول على السعادة والرفاهية، مؤكدًا أن هذه الأمور، مثل جودو، لن تتحقق أبدًا.

إشكالية الريبة والجزم

تعتبر قضية الشك واليقين من أبرز القضايا التي تقوم عليها مسرحية “في انتظار جودو”. اليقين الوحيد الموجود هو أن جودو قادم، أما فيما عدا ذلك، يشك الاثنان في كل شيء. يتساءلان عن موعد مجيء جودو، وهل فاتهما الموعد وذهب جودو دون أن يراه؟ بالإضافة إلى ذلك، يشككان في المكان، وهل هما في المكان الصحيح أم أنهما حضرا إلى مكان آخر؟

يكاد القارئ لا يجد موضعًا أو حدثًا يمر به هاتان الشخصيتان إلا ويحضر الشك فيه. لا يوجد اعتبار للذاكرة ولا للوقت ولا للمكان. كل شيء يزول بعد حدوثه، ليشككا بعد ذلك في حدوثه أصلًا. لا شيء مؤكد معهما.

دراسة للشخصيات

تعتمد هذه المسرحية على شخصيتين رئيسيتين: فلاديمير وإستراغون. تتشاركان في طريقة التفكير وفي حالة الانتظار الدائم لجودو. تبدأ أحداث المسرحية وهما جالسان على جانب الطريق بجوار شجرة صفصاف ميتة، ويبدأ بينهما حوار عبثي يهدف فقط إلى قتل الوقت. يضاف إلى ذلك عنصر الشك في كل شيء، حيث يشكان في وجودهما وفي صحة الزمن وفي كل شيء آخر.

في عدة مناسبات، يحاولان الانتحار شنقًا، تظهر الفكرة في رأسهما فجأة، لكنهما لا يجدان شيئًا ليشنقا نفسيهما به، فيعودان إلى الحديث والعبث وسرد حكايات مفككة لا يوجد فيها ترابط. فجأة، تظهر شخصية بوزو وخادمه، اللذين يكسران رتابة السرد القاتمة ويدفعان الحيوية في الأحداث، حيث يعالجان قضية العبث والعبودية.

بوزو يضرب ويهين خادمه ويحمله أثقالًا وأمتعة كثيرة ويربط في عنقه حبلًا يجره به مثل الحيوانات. الخادم يتقبل كل هذا بل ويدافع عن مكانته تلك ويسعى للحفاظ عليها بالتودد لسيده حتى لا يبيعه، ويضرب إستراغون الذي يحاول الدفاع عنه، لينقلب هذا الأخير ضده. الخادم لا يريد الانفكاك عن سيده ولا يريد خسارة عبوديته، ويريد أن يبقى خادمًا.

العبث يظهر هنا من خلال رؤية هذا الخادم وحرصه على العبودية، فهو بالأصل بلا هدف ويريد أن يبقى هكذا حتى لو تمادى سيده في ضربه وتحطيمه وجلده. بوزو أيضًا مستمتع بذلك ويستمر في تعذيب خادمه كلما ظهرا في المسرحية ويصر على بيع هذا الخادم بعد أن استفاد منه، فالإنسان في منظور المسرح العبثي كائن لا قيمة له.

الأسلوب الأدبي للمسرحية

تسيطر فكرة العبثية على المسرحية، حيث تعمد الكاتب صمويل بيكيت التركيز على موضوعات اليأس واللاجدوى واللا أمل. يظهر أسلوب التهكم والسخرية في بعض الأحيان، والأفكار في المسرحية غير منتظمة ومتسلسلة، حيث تعمد الكاتب أن يصدم المتلقي بأحداث غير متوقعة، محاولًا أن يوصل الواقع الإنساني بتجرد.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرة في مسرحية أوديب: تحليل ورموز

المقال التالي

دراسة في مسرحية لعبة الموت لتوفيق الحكيم

مقالات مشابهة