قراءة في معلقة عنترة: يا دار عبلة

تحليل عميق لمعلقة عنترة بن شداد ‘يا دار عبلة’، يشمل دراسة للمضمون، الإيقاع، والأساليب البلاغية. اكتشف جماليات اللغة العربية في هذه القصيدة الخالدة.

نظرة عامة على المضامين في قصيدة عنترة

تعتبر معلقة عنترة بن شداد من أبرز القصائد في الشعر العربي، حيث تتناول مجموعة متنوعة من الأفكار والمشاعر. يبدأ عنترة قصيدته بالوقوف على بقايا ديار محبوبته عبلة، مستذكرًا أيام الوصال ومتمنيًا السلامة لتلك الديار. ثم ينتقل إلى وصف مكانة عبلة في قلبه، معددًا صفاتها الحسنة ورائحة أنفاسها العطرة. بعد ذلك، يصف عنترة ناقته ورحلتها الشاقة في الصحراء، معبرًا عن فخره بقوته وشجاعته في حماية نفسه وقبيلته من الأعداء. كما يتباهى بمهاراته القتالية وإقدامه في المعارك، مؤكدًا على مكانته كفارس شجاع لا يهاب الموت.

دراسة للإيقاع الشعري في قصيدة عنترة

تُصنف قصيدة “يا دار عبلة” ضمن القصائد العمودية الكلاسيكية، وقد كُتبت على وزن البحر الكامل، والذي يتميز بتفعيلاته المتكررة: “متفاعلن متفاعلن متفاعلن”. يعتبر البحر الكامل من أكثر البحور شيوعًا في الشعر العربي القديم والحديث، وذلك بفضل إيقاعه الجميل والموسيقي. أما قافية القصيدة، فهي تنتهي بحرف الميم.

تحليل للأساليب اللغوية والبلاغية في قصيدة عنترة

تزخر القصيدة بالعديد من الأساليب اللغوية والبلاغية التي تزيد من جمالها وتأثيرها في القارئ. من بين هذه الأساليب اللغوية:

  • النداء: كما في قوله: “يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي ** وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي”.
  • الاستفهام: كما في قوله: “هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ ** لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ”.
  • التمني: كما في قوله: “يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حَلَّت لَهُ ** حَرُمَت عَلَيَّ وَلَيتَها لَم تَحرُمِ”.
  • النفي: كما في قوله: “وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ ** لا مُمعِنٍ هَرَبًا وَلا مُستَسلِمِ”.

أما فيما يتعلق بالأساليب البلاغية، فنجد:

  • الاستعارة المكنية: في قوله “يا دار عبلة بالجواء تكلمي” حيث يشبه دار عبلة بالإنسان الذي يتكلم، ويحذف المشبه به مع الإبقاء على شيء من لوازمه.
  • الاستعارة المكنية: في قوله “وَعَمي صَباحًا دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي” حيث يشبه الدار بالإنسان الذي يتحدث، ويحذف المشبه به مع الإبقاء على شيء من لوازمه.
  • الاستعارة المكنية: في قوله “فإذا ظُلِمتُ فإن ظلمي باسلٌ ** مرٌّ مذاقته كطعم العلقم” حيث يشبه الظلم بمر الطعم والمذاق والرائحة الكريهة، ويحذف المشبه به مع الإبقاء على شيء من لوازمه.

نص القصيدة: يا دار عبلة

قال عنترة بن شداد في معلقته:

هل غادر الشعراء من متردم:::أم هل عرفت الدار بعد توهم

يا دار عبلة بالجواء تكلمي:::وعمي صباحاً دار عبلة وإسلمي

فوقفت فيها ناقتي وكأنها:::فدن لأقضي حاجة المتلوم

وتحل عبلة بالجواء وأهلنا:::بالحزن فالصمان فالمتثلم

حييت من طلل تقادم عهده:::أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

حلت بأرض الزائرين فأصبحت:::عسراً على طلابك ابنة مخرم

عُلقتها عرضاً وأقتل قومها:::زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم

ولقد نزلت فلا تظني غيره:::مني بمنزلة المحب المكرم

كيف المزار وقد تربع أهلها:::بعنيزتين وأهلنا بالغيلم

إن كنت أزمعت الفراق فإنما:::زمت ركابكم بليل مظلم

ما راعني إلا حمولة أهلها:::وسط الديار تسف حب الخمخم

فيها اثنتان وأربعون حلوبة:::سوداً كخافية الغراب الأسخم

إذ تستبيك بذي غروب واضح:::عذب مقبله لذيذ المطعم

وكأن فارة تاجر بقسيمة:::سبقت عوارضها إليك من الفم

أو روضة أنفاً تضمن نبتها:::غيث قليل الدمن ليس بمعلم

جادت عليه كل بكر حرة:::فتركن كل قرارة كالدرهم

سحاً وتسكاباً فكل عشية:::يجري عليها الماء لم يتصرم

وخلا الذباب بها فليس ببارح:::غرداً كفعل الشارب المترنم

هزجاً يحك ذراعه بذراعه:::قدح المكب على الزناد الأجذم

تمسي وتصبح فوق ظهر حشية:::وأبيت فوق سراة أدهم ملجم

وحشيتي سرج على عبل الشوى:::نهد مراكله نبيل المحزم

هل تبلغني دارها شدنية:::لعنت بمحروم الشراب مصرم

مخطارة غب السرى زيافة:::تطس الإكام بوخذ خف ميثم

وكأنما تطس الإكام عشية:::بقريب بين المنسمين مصلم

تأوى له قلص النعام كما أوت:::حِزق يمانية لأعجم طِمطِمِي

يتبعن قُلة رأسه وكأنه:::حِدق على نعشٍ لهن مُخيمِ

صعلٍ يعود بذي العُشيرة بيضه:::كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

شربت بماء الدحرضين فأصبحت:::زوراء تنفر عن حياض الديلم

وكأنما تنأى بجانب دفها:::وحشى من هزج العشي مؤوم

هرٍ جنيب كلما عطفت له:::غضبي اتقاها باليدين والفمبركت على جنب الرداع كأنما:::بركت على قصب أجش مهضم

وكأن ربا أو كحيلاً معقداً:::حش الوقود به جوانب قمقم

ينباع من ذفري غضوب جسرة:::زيافة مثل الفنيق المكدم

إن تغدفي دوني القناع فإنني:::طب بأخذ الفارس المستلئم

أثنى علي بما علمت فإنني:::سمح مخالقتي إذا لم أُظلم

شرح معاني الكلمات الصعبة في قصيدة عنترة

فيما يلي توضيح لبعض معاني المفردات التي قد تحتاج إلى تفسير في معلقة عنترة:

المفردةمعنى المفردة
متردمهو الموضع الذي يُرقَع.
بالجواءالجواء بلد في نجد، وكذلك هو جمع جو.
فدنالفدن القصر وجمعه أفدان.
الأسحمالشديد السواد.
غَروبالغروب هو حدّ كل شيء، ويعني هنا أنّ أسنانها حادة.
سحًّاالسح هو الصب والسكب، وهو بنفس معنى تسكاب.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة صرفية لقصيدة شعرية

المقال التالي

قراءة في قصيدة غربة وحنين للبارودي

مقالات مشابهة