استكشاف الجوانب الدلالية في قصيدة (إلى أمي) لمحمود درويش
في هذه القصيدة، يترجم محمود درويش مشاعر الشوق العميق تجاه والدته، معبراً عن تفاصيل صغيرة تحمل في طياتها الكثير من المعاني، مثل الخبز الذي تعده، والقهوة التي تقدمها، واللمسة الحانية التي تمنحها. يظهر في القصيدة مدى تمسكه بالحياة، والذي يعزوه إلى خوفه من أن تبكي والدته عليه في حال وفاته. يتمنى الشاعر أن تحتضنه والدته وتجعله قريباً منها، سواء كان ذلك وشاحاً يلامس شعرها، أو غطاءً يلف عظامها، أو خيطاً في ثوبها. الشاعر يشعر بالتعب والوحدة بسبب البعد عن والدته، ويصف نفسه بأنه كهل كبير في العمر بسبب هذا الفراق.
يقول محمود درويش:
أحنُّ إلى خبز أمي:
وقهوة أُمي:
ولمسة أُمي:
وتكبر فيَّ الطفولةُ:
يومًا على صدر يومِ:
وأعشَقُ عمرِي لأنّي:
إذا مُتُّ:أخجل من دمع أُمي!:
خذيني، إذا عدتُ يومًا:
وشاحًا لهُدْبِكْ:
وغطّي عظامي بعُشب:
تعمَّد من طهر كعبك:
وشُدّي وثاقي:
بخصلة شعر:
بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك:
عساني أصيرُ إلهًا:
إلهًا أصيرْ:
إذا ما لمستُ قرارة قلبك!:
ضعيني، إذا ما رجعتُ:
وقودًا بتنور ناركْ:
وحبل غسيل على سطح دارك:
لأنّي فقدتُ الوقوف:
بدون صلاة نهارك:
هَرِمْتُ، فردّي نجوم الطفولة:
حتى أُشارك:
صغار العصافير:
درب الرجوع:
لعُشِّ انتظارِك!
يتضح في القصيدة اعتماد الشاعر على محور مركزي واحد، وهو الأم والحنين إليها، من البداية إلى النهاية. هذا التركيز يعكس مدى ارتباط الشاعر بوالدته واشتياقه العميق لها. وقد ربط هذا الشوق بقضايا أخرى مثل الحياة والموت، والصغر والكبر، مما يمنح القصيدة عمقاً إضافياً.
فحص الجوانب الفنية في قصيدة (إلى أمي) لمحمود درويش
تمت كتابة قصيدة (إلى أمي) على وزن بحر المتقارب، والذي يتميز بإيقاعه الموسيقي الجميل.
ويقوم هذا البحر على التفعيلة التالية: “فعولن فعولن فعولن فعولن”.
تضفي هذه الموسيقى على القصيدة شعوراً بالدفء والحركة والخفة، مما يجعلها ممتعة للقراءة والاستماع.
تحتوي القصيدة على مجموعة متنوعة من الأساليب الفنية، مثل التشبيهات والاستعارات. الصور الفنية مستوحاة من الواقع، وتعبر عن مدى تعلق الشاعر بوالدته والماضي. من بين هذه الصور الفنية:
- “وتكبر في الطفولة”: استعارة مكنية، حيث شبه الطفولة بالإنسان الذي يكبر، وحذف المشبه به (الإنسان) وأبقى على شيء من لوازمه وهو الكبر.
- “يومًا على صدر يوم”: استعارة مكنية، حيث شبه اليوم بالأم التي يكبر طفلها على صدرها، وحذف المشبه به (الأم) وأبقى على شيء من لوازمه وهو الصدر.
- “تعمّد من طهر كعبك”: استعارة مكنية، حيث شبه العشب بالطفل الذي يتم تعميده، وحذف المشبه به (الطفل) وأبقى على شيء من لوازمه وهو التعميد.
- “خذيني وشاحًا”: تشبيه بليغ، حيث شبه الشاعر نفسه بالوشاح، وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه.
دراسة الميزات الأسلوبية في قصيدة (إلى أمي) لمحمود درويش
تتميز قصيدة (إلى أمي) لمحمود درويش بالتعبير عن معاني الشوق والحنين للأم بلغة بسيطة وسهلة، ولكنها تحمل في طياتها عمقاً كبيراً. الكلمات المستخدمة مستوحاة من الواقع المرتبط بالشاعر ووالدته، وهي تحمل دلالات واضحة وغير معقدة. على سبيل المثال، كلمة “القهوة” ترمز إلى الحنين إلى قهوة الصباح التي كانت تعدها والدته. وينطبق الأمر نفسه على كلمات أخرى مثل “الخبز”.
استخدم الشاعر الأساليب الإنشائية في اللغة العربية، وخاصة أسلوب الأمر الطلبي، مثل “خذيني”، “غطي”، “شدي”. هذا الاستخدام يعكس حاجة الشاعر الماسة لأمه وحنينه إليها، ويظهر مدى تعلقه بها وبكل تفاصيل حياتها.
المصادر
- “إلى أمي”، الديوان. (تم الاطلاع بتاريخ 21/1/2022).
- إبراهيم أبو طالب، في علم العروض والقافية وفنون الشعر الفصيحة والشعبية، صفحة 38.
- آزاد محمد كريم الباجلاني، القيم الجمالية في الشعر الأندلسي عصري الخلافة و الطوائف، صفحة 347.
- على محمد عودة، دراسات في الشعر الفلسطيني، صفحة 1-2.