قراءة في رواية قناديل ملك الجليل: دراسة في التاريخ والأسلوب والشخصيات

دراسة تحليلية معمقة لرواية قناديل ملك الجليل، تتناول الجوانب التاريخية والأسلوبية والشخصيات البارزة، بالإضافة إلى الآراء النقدية حول الرواية.

تعتبر رواية “قناديل ملك الجليل” للكاتب إبراهيم نصر الله، عملًا أدبيًا بارزًا يستحق الدراسة والتحليل من جوانب متعددة. تسعى هذه المقالة إلى تقديم قراءة متأنية للرواية، مع التركيز على الخلفية التاريخية، والأسلوب الروائي المتبع، والشخصيات الرئيسية والثانوية، بالإضافة إلى استعراض بعض الآراء النقدية التي تناولت هذا العمل.

نظرة عامة على الأحداث في قناديل ملك الجليل

تدور أحداث الرواية حول قصة البطل الشعبي ظاهر العمر الزيداني، وهو شخصية حقيقية من عامة الناس. تبدأ رحلته من ضفاف بحيرة طبريا وجبال عكا والناصرة، وتهدف إلى تحرير الأرض وتحقيق الاستقلال، وإنشاء دولة عربية فلسطينية.

يواجه ظاهر العمر الزيداني في سبيل تحقيق هدفه، تحديًا كبيرًا يتمثل في الدولة العثمانية، التي كانت في أوج قوتها وسيطرتها على مناطق واسعة من آسيا وأوروبا وأفريقيا. تغطي هذه الرواية بطولات القرن الثامن عشر.

دراسة الأسلوب الروائي في قناديل ملك الجليل

اعتمد الكاتب إبراهيم نصر الله على عدة استراتيجيات في أسلوبه الكتابي، من أجل إضفاء طابع مميز على الرواية وزيادة جاذبيتها للقارئ:

  1. توظيف شخصيات واقعية: استعان نصر الله بشخصيات تاريخية حقيقية، جنبًا إلى جنب مع شخصيات خيالية، بهدف إثراء العمل الفني والتغلب على النمطية في السرد التاريخي، وإبراز الحياة الشعبية والأشخاص العاديين.
  2. ربط الأحداث بفلسطين: عمد الكاتب إلى ربط النص الروائي بالبيئة والأرض والإنسان الفلسطيني، مع الاعتماد على نمط الحكاية الشعبية، الذي يركز على الاستمتاع بالقصة بدلًا من التدقيق في صحة المعلومات.
  3. استخدام أسلوب التقديم والتأخير: يرى نصر الله أن تقديم وتأخير بعض الأحداث، يساهم في جعلها أكثر ملاءمة لمنطق السياق الروائي.
  4. الإسهاب في السرد التاريخي: منح الروائي مساحة واسعة للسرد التاريخي، مع إبراز الجوانب الخفية للأحداث، مما يساعد القارئ على فهمها بشكل أفضل.
  5. استقراء الجوانب الشخصية والإنسانية للشخصيات: سعى نصر الله إلى إبراز الصفات الإنسانية للشخصيات، وخاصة الحقيقية منها، وإظهار جوانب القوة والضعف والخطأ لديها، بهدف تجنب الجمود في تقديمها.
  6. إظهار المشاعر والعواطف: من خلال استعراض الأسباب التي أدت إلى تشكل الأحداث التاريخية، والابتعاد عن السرد التاريخي التقليدي.
  7. الاعتماد على التاريخ في بناء أساس الرواية: تقديم رواية ذات بعد زمني بعيد عن الحاضر، يخلق مناخًا تاريخيًا يتميز بالدقة في الوصف والخيال.

تحليل للشخصيات في قناديل ملك الجليل

تتميز الرواية بتنوع شخصياتها، والتي يمكن تقسيمها إلى شخصيات تاريخية حقيقية، وشخصيات خيالية ذات طابع أسطوري.

الشخصيات التاريخية

تضم الرواية خمس شخصيات رئيسة ذات أساس تاريخي:

  • ظاهر العمر الزيداني: الشخصية المحورية في الرواية، يظهر كبطل يتمتع بالقوة والشجاعة والصمود، مما يضفي عليه طابعًا أسطوريًا.
  • عبد الله الأيضلني: شخصية ثانوية، تساهم في تسليط الضوء على أفعال الشخصيات الرئيسية، وتقدم رؤية استشرافية للصراع بين ظاهر العمر الزيداني وأعيان الدولة.
  • سليمان باشا العظم: شخصية ذات تأثير قوي، من خلال دوره المعارض لظاهر العمر الزيداني.
  • عثمان باشا الكرجي: شخصية واقعية، تجسد ذروة الصراع، وتعكس الحالة النفسية المضطربة والقلقة والحاقدة للمعارضين لظاهر العمر.
  • حسن باشا الجزائري: شخصية حقيقية، تمكنت من إنهاء حكم ظاهر العمر الزيداني.

الشخصيات ذات الطابع الأسطوري

تضم الرواية شخصيات خيالية تضفي عليها طابعًا أسطوريًا:

  • الفرس البيضاء: شخصية بارزة، تجسد دور الأم الحقيقية لظاهر العمر الزيداني.
  • البريصة (فرس): تجسد العلاقة التخيلية بين ظاهر وحصانه.

الصور الفنية والاستعارات في قناديل ملك الجليل

يتميز أسلوب نصر الله بالصور الفنية والاستعارات، وذلك من خلال:

  • الاعتماد على تقنيات حركية وسينمائية، واستخدام صور متحركة تضفي حيوية على الأحداث.
  • إظهار الأحاسيس والعواطف ونفسيات الشخصيات، مما يجعل الصورة حركية ومشوقة.
  • استخدام تقنية المونتاج المتناوب، من خلال ذكر تفاصيل الأماكن من الداخل والخارج.

أمثلة على الأسلوب التصويري والاستعارة:

“كان الذراع الخشبي الذي يغلق الباب قد انتزع من مكانه، فتح الباب، حدق في جانبي الطريق، كانت طبرية تنهض في تلك اللحظات، من بعيد يأتي صياح ديكة وأصوات غامضة لكلمات من الصعب فهمها، سمع حوافر دابة فاستدار، كانت امرأة تمتطي حمارًا ممسكة بربطة فجل كبيرة أمامها.”

“ظل القلق يعتصر بدن نفيسة حتى يعود ظاهر إليها سالمًا.”

“لم يكن ظاهر مفتونًا بشيء مثلما كان مفتونًا بصيد البط، لكن الساعة من الزمن يقضيها على ضفاف طبرية كانت كافية لغسله من كل ما علق به من غضب أو أحزان”.

الحوار والسرد القصصي في قناديل ملك الجليل

ترصد الرواية الأحداث التي وقعت في الفترة الزمنية ما بين (1689م- 1755م). اعتمد السرد على نقل الأحداث من الإطار التاريخي إلى الإطار التخيلي، وشحنها بالعواطف والإنسانية والمشاعر.

استخدم الكاتب الواقعية والموضوعية والخيال والأسطورة في سرد الأحداث، مع الاهتمام بالقرائن المدمجة التي تشمل تفاصيل وأوصاف الأشياء والأحداث. كما استخدم العناوين الفرعية في الفصول، وأثرى الرواية بمفردات لغوية ذات دلالات خاصة.

وجهات نظر نقدية حول قناديل ملك الجليل

من أهم الانتقادات التي وجهت للرواية:

  • رسم أبعاد الشخصية الخارجية بناء على دراية الكاتب، مع إهمال بناء القارئ المعرفي، مما قد يخلق فجوة بين الرواية والقارئ.
  • فقدان ثبات سلطة الكاتب في بعض الأحيان على الشخصيات، وإظهار الرأي الشخصي.
  • إثقال كاهل القارئ باستنتاج صفات الشخصيات من خلال حواراتهم.

تعتبر “قناديل ملك الجليل” من أهم الروايات العربية المتخصصة في رصد ملحمة فلسطين. استخدم نصر الله الأسلوب الواقعي المقترن بالخيال، وقدم الشخصيات بصورة حركية قابلة للتخيل، إلا أنه تعرض لانتقادات بسبب إظهار الجانب الشخصي في الرواية.

المراجع

  1. “The Lanterns of the King of Galilee: A Novel of 18th-Century Palestine”,scribd
  2. ابراهيم ابو تحفة،الرواية التاريخية عند ابراهيم نصر الله زمن الخيول البيضاء وقناديل ملك الجليل نموذجًا دراسة نقدية
  3. يسرى ققشة،الفضاء الروائي في رواية قناديل ملك الجليل لابراهيم نصر الله
  4. خليل برويني، شهرام دلشاد،آليات السينما في رواية “قناديل ملکالجليل” لإبراهيم نصراالله
  5. أبتسامي عبابنة،السرد الروائي والرؤية التاريخية في رواية قناديل ملك الجليل لابراهيم نصر الله
  6. عمر عبده،البنية الروائية في روايات ابراهيم نصر الله الملهاة الفلسطينية نموذجًا
Total
0
Shares
المقال السابق

نظرة تحليلية في رواية قصة مدينتين (رواية تاريخية)

المقال التالي

قراءة في رواية قنديل أم هاشم

مقالات مشابهة