قراءة في رواية رأيت رام الله: تحليل وتقييم

نظرة تحليلية معمقة لرواية رأيت رام الله للكاتب مريد البرغوثي. استكشاف للأسلوب الأدبي، الصور الفنية، الحوار، وآراء النقاد حول الرواية.

ملخص الرواية والأفكار الرئيسية

في رواية “رأيت رام الله”، يأخذنا الأديب والشاعر مريد البرغوثي في رحلة مؤثرة لاستكشاف فلسطين، وذلك من خلال استعراض تجربته الشخصية. ينجح الكاتب في تقديم صورة شاملة عن الواقع الفلسطيني المعاش. تتناول الرواية عودة البرغوثي إلى مسقط رأسه بعد غياب دام لأكثر من ثلاثين عاماً قضاها في الغربة، حيث كان قد سافر للدراسة في الخارج ولكنه لم يتمكن من العودة بسبب الظروف السياسية.

يتشارك الكاتب مع القارئ ذكرياته عن فلسطين قبل الغربة، بما في ذلك التهجير والشتات الذي عانت منه عائلته وفقدانه لأحبائه. كما يصف بدقة وواقعية التغيرات التي طرأت على الأماكن التي زارها في الماضي وكيف أصبحت بعد مرور هذه السنوات الطويلة. قصة حياة الكاتب تعكس الأحداث الكبرى التي أثرت على الشعب الفلسطيني، مثل النكسة والنكبة، وتعتبر نموذجاً يمثل تجربة شريحة كبيرة من الفلسطينيين الذين عايشوا هذه الأحداث المؤلمة.

لا تقتصر الرواية على الجانب السياسي والتاريخي، بل تتطرق أيضاً إلى الواقع الاجتماعي والعلاقات الأسرية والاجتماعية. يصف الكاتب العلاقات مع الأصدقاء والجيران، ويذكر: ” زيت الزيتون بالنسبة للفلسطيني هو هدية المسافر، اطمئنان العروس، مكافأة الخريف، ثروة العائلة عبر القرون”.

تعتبر هذه الرواية بمثابة رحلة عبر الزمن إلى قلب فلسطين، حيث يحصل القارئ على معلومات قيمة حول الأحداث التاريخية التي شكلت الواقع الفلسطيني. على الرغم من أنها سيرة ذاتية، إلا أنها تقدم صورة متكاملة وشاملة عن فلسطين وتاريخها.

الخصائص الأسلوبية في الرواية

قد يتوقع القارئ أن تكون الرواية مليئة بالأحداث الحزينة والمشاعر السلبية بسبب طبيعة حياة الكاتب والوضع الفلسطيني، إلا أن الكاتب ينجح في إضفاء جو من الكوميديا على بعض الأحداث، خاصة تلك المتعلقة بطفولته والبيئة التي نشأ فيها. فالرواية هي رحلة فريدة بين الماضي والحاضر، حيث يصطحبنا الكاتب في رحلة ممتعة لاستكشاف فلسطين وذاكرتها الغنية.

كل شيء تغير مع مرور الوقت باستثناء الشتات، ولهذا يلجأ الكاتب إلى السخرية والنقد اللاذع للواقع الذي يعيشه، كما يتضح في الاقتباس التالي: “في أيامنا العجيبة هذه، أصبح الكاتب العربي يلهث وراء فُرَص الترجمة لترتفع قيمته المحلية، كأنه يريد أن يقرأه الإنجليز ليعرفه العرب ! “.

تتميز لغة الرواية بالتنوع، حيث تتراوح بين اللغة العربية الفصيحة واللهجة العامية الفلسطينية والمصطلحات الخاصة بها. كما تحتوي الرواية على عنصر الحوار، وتمتاز اللغة بجزالتها وواقعيتها. تتضمن الرواية العديد من الدروس والعبر الحياتية التي تضيف قيمة إضافية لها.

تتجلى في الرواية العديد من العواطف والمشاعر، مثل الشوق للوطن، الحنين للماضي، الشوق للأحبة، آلام الغربة، ومرارة الشتات الأسري.

الصور الفنية والاستعارات في الرواية

تزخر الرواية بالصور الفنية والأساليب الكتابية المميزة التي تساهم في جعلها ممتعة ومثيرة للاهتمام. تساعد هذه الصور الفنية في توصيل الأفكار بشكل دقيق وتثير خيال القارئ. فيما يلي بعض الأمثلة على الصور الفنية والاستعارات الأدبية التي استخدمها الكاتب:

الاستعارات الأدبية

يمكن للقارئ أن يلاحظ الأسلوب الفني للكاتب مريد البرغوثي في سرده من خلال الصور الفنية والاستعارات الأدبية، على سبيل المثال (المخدة هي الوسادة، ويقصد بها الحالة التي يكون بها الشخص في فترة ما قبل النوم عندما يقوم بمراجعة حياته وأحداث يومه)، وإليك مجموعة من الأمثلة:

  • “المخدة سجل حياتنا”.
  • “المسودة الأولية لروايتنا التي_كل مساء جديد_ نكتبها بلا حبر ونحكيها بلا صوت،وولا يسمع بها أحد إلا نحن”.
  • “هي حقل الذاكرة، وقد تم نبشه وحرثه وتثنيته وعزقه وتخصيبه وريه، في الظلام الذي يخصنا”.
  • “لكل امرئ ظلامه”.
  • “لكل امرئ حقه في الظلام”.
  • “هي الخربشات التي تأتي على البال بلا ترتيب ولا تركيب”.
  • “المخدة هي محكمتنا القطنية البيضاء، الناعمة الملمس، القاسية الأحكام”.
  • “المخدة هي مساء المسعى”.
  • “سؤال الصواب الذي لم نهتد إليه في حينه، والغلط الذي ارتكبناه وحسبناه صوابًا”.
  • “عندما تستقبل رؤوسنا التي تزدحم فيها الخلائط، مشاعر النشوة والرضى أو الخسران والحياء من أنفسنا، تصبح المخدة ضميرًا وأجراسًا عسيرة”.
  • إنها أجراس تقرع دائمًا لنا، ولكن ليس من أجلنا ولا لصالحنا دائمًا.
  • المخدة هي “يوم القيامة اليومي”.

وصف بعض الكلمات بأسلوب الصور الفنية

يصف الكاتب بعض الكلمات بأسلوب الصور الفنية ومنها:

  • “الغربة كالموت، المرء يشعر دائماً أن الموت هو الشيء الذي يحدث للآخرين، منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائما سواي”.
  • “الزمن ليس خرقة من الكتان أو الصوف، الزمن قطعة من الغيم لا تكف عن الحركة.. و أطرافها غائمة مثله”.

الحوار والسرد القصصي

اعتمد الكاتب على المزج بين الحوار الداخلي والخارجي، حيث استخدم اللهجة الفلسطينية في الحوارات الخارجية بين بطل الرواية مريد البرغوثي والعالم الخارجي، مما أضفى على الرواية صفة الواقعية. تم سرد الرواية بأسلوب تيار الذكريات، مع التركيز على التعبير الصادق الذي يجعل القارئ يشارك الكاتب مشاعر الغربة والفراق، وكذلك مشاعر السعادة في بعض الأحيان.

نجح الكاتب في رسم صورة حية للواقع الخاص به من جميع النواحي، وذلك بفضل التفاصيل الدقيقة التي يرويها.

آراء نقدية حول الرواية

حظيت الرواية بشهرة واسعة بين القراء والنقاد الأدبيين، وحصلت على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي التي تمنحها الجامعة الأميركية بالقاهرة. ومن أبرز الشخصيات التي علقت على الرواية:

إدوارد سعيد

يقول إدوار سعيد: “إن عظمة وقوة وطزاجة كتاب البرغوثي تكمن في أنه يسجل بشكل دقيق موجع هذا المزيج من مشاعر السعادة، والأسف، والحزن، والدهشة، والسخط، والأحاسيس الأخرى التي تصاحب هذه العودة، وفي قدرته على أن يمنح وضوحاً وصفاء لدوامة من الأحاسيس والأفكار التي تسيطر على المرء في مثل تلك الحالات.. إن التميز الأساسي لكتاب “رأيت رام الله” هو في كونه سجلاً للخسارة في ذروة العودة ولم الشمل”.

حسام معروف

يقول حسام معروف: “قرأت عنوان كتاب رأيت رام الله”، للكاتب والشاعر الفلسطينيّ مريد البرغوثي، شعرت كأنّه يستفزّني لقراءة الكتاب أوّلًا، ولرؤية رام الله كما رآها”، ويقول:” حين يحدّثك مريد البرغوثي عن الغربة، فإنّه يتطاول على عاطفتك المركونة، وتتسلّق معه كلّ حنين، لم تعره اهتمامًا منذ زمن بعيد. هو بوصفه الغربة يشرح جلد ذاكرتك، ويحملك معه لتشعر بخوف الغريب وقلقه، كما يشعر به أهل البلد الّذي يحتوي غربته، لكنّه لا يستطيع أن يشعر بما يفرح به ذوو تلك البلاد، هو بطريقته الخاصّة يحاول أن يخمّش دفء أيّ لحظة في الغربة”.

عبد اللطيف الوراري

يقول: “من ملفوظٍ إلى آخر أكثر إيلامًا، لا تكفُّ المفارقة عن تكثيف محكيِّ الذات المتلفِّظة عندما تتشابك مع محكيّات ذوات أخرى، فلا يكون للحكاية الفلسطينية من معنى وقيمة إلا بهذا التذاوت، بلا مطلق ولا متعاليات”.

المصادر

  • مريد البرغوثي ،رأيت رام الله، صفحة 123-120. بتصرّف.
  • إدوارد سعيد (18/2/2021)،”«رأيت رام الله»… تقديم إدوارد سعيد لمريد”،فسحة، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021.
  • حسام معروف (7/12/2018)،”سوائل باردة: أسئلة مريد البرغوثي في “رأيت رام الله””،فسحة، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.
  • عبد اللطيف الوراري (6/9/2020)،”«رأيت رام الله» لمريد البرغوثي: أوجاع الفلسطيني الذي رأى”،القدس، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021.
Total
0
Shares
المقال السابق

استكشاف أبعاد رواية دعاء الكروان

المقال التالي

نظرة فاحصة على رواية رجال في الشمس

مقالات مشابهة