قراءة في أعماق رواية ثرثرة فوق النيل

تحليل معمق لرواية ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، استكشاف الأحداث والشخصيات والعناصر الفنية. نظرة فاحصة على شخصية أنيس زكي ودورها المحوري في الرواية.

مقدمة حول الرواية

تتناول هذه الرواية قضايا جوهرية تتعلق بالعبث الوجودي والإنساني. الرواية تتجاوز حدود الوعي الفردي للمؤلف، لتعكس حالة الوعي الجماعي. يجب أن تكون الرواية مرآة تعكس مشاعر المجتمع وظروفه الاجتماعية. فن الرواية يزدهر في سياقات اجتماعية واقعية.

جاءت رواية “ثرثرة فوق النيل” لتكشف عن الواقع بكل ما فيه من زيف وخداع. يطرح نجيب محفوظ فكرة العبث والرغبة في الهروب من الواقع، وفقدان الإحساس به. تجسد الرواية حالة الضياع التي يعيشها الإنسان العربي في عام 1966، وتناقش الالتزام بقضايا الأمة، مع التركيز على التمييز بين الجدية والعبثية. الفكرة الرئيسية في الرواية تدور حول العبث، بينما القضية الأساسية هي قضية فكرية تتعلق بالنزعة الإنسانية والفرار من الواقع.

دراسة لأحداث الرواية

تتوالى الأحداث في الرواية وفق التسلسل التالي:

  1. التقاء الشخصيات على متن عوامة فوق النيل، وتضم هذه المجموعة أفرادًا ينتمون إلى الطبقة البرجوازية المثقفة.
  2. الكشف عن مشروع من قبل سمارة.
  3. خروج الشخصيات من العوامة.
  4. وقوع جريمة قتل.
  5. الصراع المحتدم بين أنيس ورجب، ونهاية الرواية تبقى مفتوحة، مما يعكس الواقع العربي الذي لا يزال غامضًا وغير واضح المعالم.

فحص للعناصر الروائية

تحليل العناصر الروائية يشمل:

الشخصيات الأساسية

الشخصيات المحورية في الرواية تشمل:

أنيس زكي: الشخصية المحورية

تظهر شخصية أنيس زكي من خلال مشاهد سردية متعددة، منها مشهده أمام مدير القلم، ومشهده أمام المدير العام، ومشهد كتابته. هذه المشاهد تبرز جوانب مختلفة من شخصيته في سياقات مكانية وزمانية ونفسية متنوعة. تبرز تعاسة أنيس زكي بسبب وفاة زوجته وابنته.

يهدف الكاتب من خلال ذلك إلى إثارة تساؤلات أعمق حول معنى الحياة. عندما يصف الكاتب تعامل الشخصية من الداخل وإحساسها باللامبالاة، فإنه يسعى لتوضيح مشكلة وجودية فكرية. ومن الأمثلة على وصف الأشياء من الداخل: حالة “المسطول”، و”المريض الأبدي”، و”الدخان”، فكلها مرتبطة بالشعور الداخلي.

يرى نجيب محفوظ أن حالة العبث التي تتسم بها جميع الشخصيات باستثناء أنيس زكي، تعكس حالة من الوعي بالمجتمع المصري. كانوا يتبنون الأفكار الغربية لتجنب اتهامهم بالرجعية، مما يمثل حالة المجتمع الإنساني الذي يخشى الاتهام بالرجعية. يوصف أنيس زكي بالوعي لأنه يعيش في عالمه الداخلي أكثر من عالمه الخارجي، ويدعي البعض أن شربه للحشيش هو المبرر لذلك.

رجب القاضي

هو الشخصية التي جمعت باقي الشخصيات، وقيمتها مستمدة من علاقتها بأنيس. الصراع بين رجب وأنيس يجسد فكرة الثرثرة.

سمارة

تشارك في القصة بشكل أكبر في السرد، ولها علاقة بالشخصية المحورية “أنيس”.

البُعد الزماني

يستحضر الكاتب الزمان والمكان لإبراز أهميتهما، وتأكيد البعد النفسي. تتشكل الأحداث من خلال الجمل السردية. تدور الأحداث في منتصف الستينيات (1966). هناك ترابط بين الزمان والمكان والشخصيات من حيث الطبقة الاجتماعية. معظم الأحداث تدور في الليل من أجل التستر والخفاء، وهذا الوقت مناسب لانتقال الشخصيات إلى حالة العبث بعد الجدية.

الزمن الداخلي لليل يتماشى مع فكرة العبث على المستوى الذهني، وهذا يتفق مع رؤية نجيب محفوظ في تفسير الأفكار العربية، هل هي أفكار عابثة أم جادة؟

البُعد المكاني

الأماكن الخارجية تشمل: العوامة، الأرشيف، الخروج إلى الشارع. قلة الأماكن تعكس محدودية الأفعال وقلة الأحداث. المكان يوظف كامتداد للفكرة. العوامة تخدم فكرة عدم ثبات الشخصية وعزلتها. في البداية كانوا يجتمعون في بيوتهم ثم انتقلوا إلى العوامة، وهذا دليل على نضجهم. نلاحظ أن الشخصيات متأرجحة بين الجدية والعبثية مثل العوامة التي هي بين الشط والبحر.

الحوار في الرواية

الحوار الخارجي هو المهيمن لأنه “ثرثرة” وهو قريب من المسرح “فالمكان واحد والزمان واحد والحدث واحد” ولذلك سمارة اختارت المسرح. المسرح عادة ما يرتبط بفكرة العبث أكثر من الرواية. طبيعة الحوار متعددة بين الحوار الداخلي والخارجي، ومحتوى الحوار الخارجي منقول بالسرد.

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ” [صحيح البخاري].

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة تحليلية لرواية المقامر

المقال التالي

دراسة في رواية جريمة في العراق

مقالات مشابهة