أرض الحب والخير
في نهاية الحديث، أود أن أقول: وطني هو أرض الحب والخير. هو المكان الذي يترعرع فيه أطيب الناس، جذوره راسخة وفروعه عالية في السماء. أرضي تجود بالحب والثمر الطيب، وتسقي الكون حلاوة وعسلاً، وتضفي على العين بهجتها وعلى الروح رونقها. فيه ألف باب للسعادة، وأهله هم الأحبة الأفاضل. تربته وفاء، ومائه صفاء، وسماؤه عزة. عرف طعم العزة فلم يهن، ومعنى الصمود فلم يخضع، وأدرك أن المستحيل غير موجود. هو جنة قبل الجنة، فالعيش فيه رغيد، والإنسان فيه سعيد، وعزيمة أهله قوية كالحديد. علم الكون أن يتقدم فأزهر، وسقاه العزة بالكوثر، ونشر عبق طيبه في كل مكان، فارتد صداه مديحًا بأجمل الألحان. هكذا هو وطني، هكذا هي أرض الطيبة والحب والنقاء.
أرض الأجداد والأبناء
وفي الختام، يشرفني أن أقول: يا وطني، يا أرض الأجداد والأبناء، يا زيتونة مباركة ضربت بجذورها في عمق التاريخ، فما أعز الجذر وما أعز الإنسان! لقد سطرت في التاريخ مجدًا صنعه أجداد شربوا العزة فما انحنت لهم راية، وتجرعوا مرارة العزيمة فما وهنت لهم إرادة، وورثوا الكبرياء جيلاً بعد جيل، فبقيت زيتونتهم صامدة، لا يهزها أي إعصار. ارتفعت في سماء المجد حرة أبية، تجود بالخير والكرم والنقاء، وتعلم الأحفاد درسًا: كونوا مثلنا نارًا تحرق الأعداء، ورحمة تهدي للأقارب والأحباب، وشمسًا تحرق كل من يحاول المساس بالكبرياء، ودفئًا لمن يعيشون في كنفها من الأطايب والأنقياء. سطروا في مستقبلكم قصصًا للطموح تروى، وابنوا للعلم صرحًا يتجاوز نجوم السماء، واتركوا على صفحات المجد بصمتكم، أننا الأحفاد لخير الأجداد.
مهد الحضارات والأمجاد
أخيرًا، عندما تسأل التاريخ عن وطني، يجيبك: هذه مدني. وحين تطلب منه الدليل، يرشدك إليه: هذا هو السبيل. يا وطني، يا أرض الحضارات، يا نجمة سطعت فأنارت المجرات، يا أرضًا احتضنت في طياتها كل الشعوب، يا أغلى من المهج والقلوب! مرت عليك الأمم تترى، فتركت فيك أثرًا وفخرًا، وزينتك بعظيم الزينات، بالتاريخ والمدن والقلاع والآثار. يا وطني، يا أرضًا تهواها الشعوب، يا قبلة تركت في ذاكرة الزمان عزًا لا ولن يذوب. أقسمت على أن أبقيك حيًّا وأترك للزمن فيك خلودًا، وأصون ترابك وأحمي حياضك، وأرقى في سماك نجمة تحاكي العزة والمجد والتراث.
تاريخ متجذر في الأعماق
في ختام هذا الحديث، أهمس في أذن الزمان قائلاً: عندما تقلب صفحات التاريخ، باحثًا عن خير أرض ووطن، تجد وطني يضرب في التاريخ جذورًا راسخة متأصلة، تحكي قصة عز وأصالة كشجرة سنديان قديمة، تضرب بجذورها في الأرض الخصبة بكل ما أوتيت من قوة، وتقف بشموخ أمام الرياح، تروي للعالم حكاية نشأتها وتاريخها العظيم، وتبين أن المجد مر كالدواء، لكنه لنفس الحر شفاء. تعكس صورة الماضي السحيق بكل ألق، وتفاخر غيرها قائلة: أنا الأصيلة، أنا القديمة، أنا من يعرف الزمان مكاني، ويعلم التاريخ عنواني. أنا من يكتب التاريخ في صفحات الزمن، لا من يكتبه التاريخ في صفحات الضعف. أضرب بجذوري نحو القِدم، وأقف بكل ثبات قدم، وأردد: أنا التاريخ.