جدول المحتويات
فوائد صلاة الليل
جعل الله -تعالى- قيام الليل سنّةً مؤكَّدةً في حقِّ عباده وفي كلِّ ليلةٍ، لكنّ أجره يختلف فيما بين الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وما بين غيره من المسلمين. لقد غفر الله -تعالى- لرسوله ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ولذلك فإنّ طاعته وعباداته كلّها نافلة، أمّا غيره من المسلمين فإنّ القيام ليلاً يغفر ذنوبهم ويرفع درجاتهم.
تعتبر صلاة الليل أفضل الصَّلوات بعد الصلاة المكتوبة، كما جاء في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “(وأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ)”. [١]
وجاء في القرآن الكريم: “(وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)”. [٢] [٣]
وتُعَدُّ صلاة الليل ذات آثارٍ وفوائدَ عديدة، ونذكر بعضها:
- زوال الخوف والحزن، والحصول على الأجر العظيم.
- تكفير السَّيِّئات والإعانة على تحقيق الغايات الدُّنيوية والأخروية. كما أنّها تُقرب العبد من ربه.
- كسب محبَّة الله -تعالى- وحفظه. تُعَدُّ صفةً من صفات عباد الله الصالحين، كما جاء في القرآن الكريم: “(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)”. [٥] [٦]
- مغفرة الذنوب وسببٌ لإجابة الدعاء. حفظ الله لعبده من الفِتَن، والفوز بالجنة والنجاة من النار. فضّل الله -تعالى- عباده القوَّامين على غيرهم، كما جاء في القرآن الكريم: “(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)”. [٧] [٨]
- نشاط الجسم، كما جاء في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:(يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ). [٩] وقد أبغض رسول الله الرّجل الذي ينام كلَّ الليل. [١٠]
- وصيَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لابنته فاطمة وزوجها عليٍّ بالحرص على قيام الليل، وحثِّه لجميع الأزواج على التعاون على ذلك، كما جاء في الحديث: (رحم الله رجُلًا قام مِن الليلِ فصلَّى، وأيقَظَ امرأتَه فصلَّتْ، فإنْ أبَتْ نضَحَ في وَجهِها الماءَ، رحِمَ اللهُ امرأةً قامتْ مِن الليلِ فصلَّتْ، وأيقَظتْ زَوجَها، فإنْ أبَى نضَحتْ في وَجهِه الماءَ). [١١] [١٢]
- التيسير على العبد الذي قام على قدميه في الليل من أجل الله حين يقف الناس بين يدي الله يوم القيامة، والتيسير عليه في حياته وتوفيقه، كما جاء في القرآن الكريم: “(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)”. [١٣] ثم حين دخوله الجنة يعوِّضه الله عمّا تركه في الدُّنيا، فيزوِّجه من الحور العين، ويمتِّعه برؤية وجهه الكريم. [١٤]
- نَهيُ صلاة الليل صاحبها عن الفحشاء والمنكر، ومساعدته على ترك المعاصي.
- مجازاة الله لعباده القوَّامين أجراً لا يعلمه إلّا هو سبحانه، ذلك أنّهم قاموا بهذه العبادة بالخفاء دون أن يراهم أحدٌ من الخلق، كما جاء في القرآن الكريم: “(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)”. [١٦] [١٧]
كيف يُمكن للعبد أن يُكثر من قيام الليل؟
هناك العديد من الأسباب التي تُساعد المسلم وتعينه على قيام الليل، ونذكر بعضها:
- التعرُّف على منزلة القوَّامين عند الله، وما أعدَّه الله لهم من الأجر العظيم الذي جعل مكانتهم عنده تختلف عن غيرهم. فقيام الليل من الأسباب الدَّافعة لجعلهم في زمرة عباد الله الصالحين الذين اكتمل إيمانهم.
- التعرُّف إلى كيد الشيطان وما يريده لعباد الله من سوء العاقبة. ذكر ابن مسعودٍ عند رسول الله رجلاً نام الليل كلَّه، فقال -عليه الصلاة والسلام-:(ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنَيْهِ). [٢٠]
- تذكُّر الموت وقصر الحياة، مما يدفع إلى الهمَّة والاجتهاد في العمل والابتعاد عن التَّكاسل. كما قال ابن عمر: أخذ رسول الله بمنكبيَّ فقال:(كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ). [٢١]
- محاولة استغلال العبد لصحَّته وفراغه في العبادات والنَّوافل، حتى يُكتب له أداؤها أثناء هرمه وحين عجزه عنها.
- الحرص على النوم بعد صلاة العشاء مباشرةً وتجنُّب السَّهر، لأن النوم مبكِّراً يمنح الجسم قوةً تعينه على الاستيقاظ مبكراً من أجل القيام. [٢٢] [٢٣] والحرص على آداب النوم من الوضوء، وصلاة ركعتين، وقراءة المعوّذات وغيرها من الآداب. [٢٣] [٢٤] وإتباع ما يُعّين على القيام؛ فيبتعد عن الإكثار من الأكل والذنوب، ويحرص على القيلولة أثناء النهار. [٢٣] [٢٤]
- حبُّ الله -تعالى-، وسلامة الصَّدر، والزُّهد في الدنيا.
ما هي أفضل أوقات صلاة الليل؟
يجوز صلاة القيام في أوَّل الليل وفي وسطه، لكنّ أفضل أوقاتها أن تكون في الثُّلُث الأخير منه.
روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حتَّى نَظُنَّ أَنْ لا يَصُومَ منه، ويَصُومُ حتَّى نَظُنَّ أَنْ لا يُفْطِرَ منه شيئًا، وكانَ لا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إلَّا رَأَيْتَهُ، ولَا نَائِمًا إلَّا رَأَيْتَهُ). [٢٦]
دلّ ذلك على اتِّساع وقت صلاة الليل والتَّسهيل على المسلمين، أمّا الدَّليل على أنّ أفضل أوقاته الثُّلُث الأخير من الليل، فهو ما قاله رسول الله إلى عمرو بن عبسة: (أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ، فإنِ استطعتَ أن تكونَ ممَّن يذكرُ اللهَ في تلكَ الساعةِ فكنْ). [٢٧]
هذا هو قيام سيِّدنا داود -عليه السلام-، [٢٨] حيث إنّ ذلك الوقت هو وقت نزوله -جلّ وعلا- إلى السماء الدنيا. [٢٩] فيلقي فيه رحمته وفضله. والأفضل في القيام أن يجمع العبد بين الصلاة والاستغفار، كما تختلف مدَّة الثُّلُث الأخير بحسب طول الليل وقصره. [٣٠]
المراجع
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
- سورة الإسراء، آية: 79.
- محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 607، جزء 2. بتصرّف.
- أبتعبد الله القصير (1421)، تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام (الطبعة الثانية)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 54-55. بتصرّف.
- سورة الذاريات، آية: 15-17.
- محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 648، جزء 8. بتصرّف.
- سورة الزمر، آية: 9.
- محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 649، جزء 8. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1142، صحيح.
- محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 650، جزء 8. بتصرّف.
- رواه أبو داود، في سنن ابي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1450، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
- محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 650-651، جزء 8. بتصرّف.
- سورة العنكبوت، آية: 69.
- وحيد بالي، الأمور الميسرة لقيام الليل، المملكة العربية السعودية: دار الضياء، صفحة 56-57. بتصرّف.
- أحمد حطيبة، شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان، صفحة 3، جزء 15. بتصرّف.
- سورة السجدة، آية: 17.
- عطية سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 7، جزء 66. بتصرّف.
- سعيد القحطاني، صلاة التطوع، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 149. بتصرّف.
- سعيد القحطاني، قيام الليل، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 44-49. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3270، صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 6416، صحيح.
- أمين الشقاوي (2013)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الثامنة)، صفحة 80-81، جزء 1. بتصرّف.
- أبتعبد الله الطيار (1425)، الصلاة وصف مفصل للصلاة بمقدماتها مقرونة بالدليل من الكتاب والسنة، وبيان لأحكامها وآدابها وشروطها وسننها من التكبير حتى التسليم (الطبعة العاشرة)، الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 352. بتصرّف.
- أبسعيد القحطاني، قيام الليل، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 50-51. بتصرّف.
- سعيد القحطاني، قيام الليل، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 51-52. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1141، صحيح.
- رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمرو بن عبسة، الصفحة أو الرقم: 3579، حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
- سعيد القحطاني، قيام الليل، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 14-16. بتصرّف.
- محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 609، جزء 2. بتصرّف.
- محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 20، جزء 30. بتصرّف.