نظرة عامة على سورة المعارج
سورة المعارج هي السورة رقم سبعين في ترتيب المصحف الشريف، وهي السورة الثامنة والسبعون حسب ترتيب النزول. نزلت بعد سورة الحاقة وقبل سورة النبأ. تصنف من السور المكية، ويبلغ عدد آياتها أربع وأربعون آية، بينما في المصحف الشامي عددها ثلاث وأربعون آية. تعرف أيضاً بسورة “سأل سائل” و”الواقع”، وهذا الاسم مأخوذ من بداية السورة في قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج: 1-3].
تشتمل السورة على عدة محاور رئيسية، من أبرزها:
- التركيز على استهزاء الكافرين وإنكارهم ليوم البعث والحساب.
- تأكيد حقيقة يوم القيامة وأنه آت لا ريب فيه، مع وصف الأهوال التي ستصاحبه.
- عرض صورة عن طبيعة الإنسان وتقلباته.
- الثناء على المؤمنين الذين يحافظون على صلاتهم ويؤدون حقوق الله في أموالهم، ويصدقون بيوم الجزاء ويستعدون له بالأعمال الصالحة.
- تخفيف الله عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومواساته لما يلقاه من تكذيب وإنكار من المشركين.
سخرية أهل مكة من العذاب المنتظر
يستهزئ الكافرون بالعذاب الذي أنذرهم به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويطلبون استعجاله، فأنزل الله تعالى: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: 1-7].
هذه الآيات تبين أن العذاب الذي يستعجلونه سيقع عليهم لا محالة، وهو صادر من الله ذي العظمة والقدرة، الذي تعرج إليه الملائكة والروح في يوم عظيم مقداره خمسين ألف سنة، وهو يوم القيامة. ثم تأمر الآيات الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالصبر الجميل على أذى المشركين، وتخبره بأنهم يرون يوم القيامة بعيدًا، بينما يراه الله قريبًا.
أهوال يوم الحساب ومصير العصاة
تصف الآيات الكريمة أهوال يوم القيامة وما سيحدث فيه من تغيرات كونية عظيمة: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ [المعارج: 8-14].
في ذلك اليوم، تصبح السماء كالزيت المغلي أو كالمعدن المذاب، وتتحول الجبال إلى ما يشبه الصوف الملون من شدة تفتتها. وينشغل كل إنسان بنفسه فلا يسأل أحد عن أحد، حتى الأقرباء لا يكترثون ببعضهم البعض. ويتمنى المجرم لو يستطيع أن يفتدي نفسه من العذاب بأغلى ما يملك، حتى بأبنائه وأهله وعشيرته وكل من في الأرض.
تصوير طبيعة النفس البشرية
تبين الآيات طبيعة الإنسان وتقلباته في حالتي الخير والشر: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ [المعارج: 19-21].
الإنسان بطبعه يميل إلى الجزع واليأس إذا أصابه مكروه، وإلى البخل والشح إذا أنعم الله عليه بالخير، فهو حريص على ما يملك ويمنعه عن الآخرين.
خصال وصفات المؤمنين
تستثني الآيات الكريمة المؤمنين من هذه الصفات السلبية، وتذكر صفاتهم الحميدة: ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ [المعارج: 22-35].
هؤلاء المؤمنون يتميزون بالعديد من الصفات، منها:
- المحافظة على الصلاة وأدائها في أوقاتها.
- إخراج الزكاة والصدقات للفقراء والمحتاجين.
- الإيمان بيوم القيامة والحساب والجزاء.
- الخوف من عذاب الله والرجاء في رحمته.
- حفظ الفروج وتجنب الزنا والفواحش.
- حفظ الأمانات والوفاء بالعهود.
- الصدق في الشهادة وعدم كتمان الحق.
أولئك هم الذين يكرمهم الله بدخول الجنة والتمتع بنعيمها.
حال الكافرين واستهزائهم بالرسالة
تتعجب الآيات من حال الكافرين وإقبالهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يكذبونه ويعرضون عن دعوته: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ [المعارج: 36-38].
كيف يطمع هؤلاء الكافرون الذين يكذبون الرسول وينكرون البعث أن يدخلوا الجنة ويتنعموا بها، وهم لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات؟
القسم الإلهي وجزاء المكذبين
يقسم الله تعالى بقدرته وعظمته على أن الكافرين هالكون ولا مهرب لهم من عذابه: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ * عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ﴾ [المعارج: 40-44].
يقسم الله بمشرق الشمس ومغربها، وهو قادر على أن يبدل هؤلاء الكافرين بأقوام آخرين خيرًا منهم، يؤمنون به ويعبدونه. ثم تأمر الآيات النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا حتى يأتيهم يوم القيامة الذي يوعدون به. ففي ذلك اليوم يخرجون من القبور مسرعين إلى الحساب، خاشعة أبصارهم من الذل والهوان، وهو اليوم الذي كانوا يكذبون به.