فهم معاني الآية الكريمة: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)

استكشاف معاني آية (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ودلالاتها العميقة. تحليل النداء القرآني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، وتوضيح مفهوم نصرة الله، والفرق بين استعمال ‘إن’ و ‘إذا’ في القرآن.

تأملات في تفسير الآية (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)

دلالات النداء بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)

تكرر هذا النداء في القرآن الكريم في مواضع عديدة، تحديدا ثمانية وثمانون مرة، و يأتي هذا النداء بوصف المؤمنين بـ (الَّذِينَ آمَنُوا) تكرارًا؛ لتذكيرهم بأنَّ الإيمان الذي يعلنه المسلم يلزمه الاستجابة للأوامر الإلهية بطاعة ورضا.

عندما يخاطب الله –جل جلاله- عباده المؤمنين، فإنه يدعوهم إما ليأمرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم، أو لينهاهم عما يسبب لهم الشقاء والضعف، أو ليبشرهم ويثبتهم، أو لينذرهم ويحذرهم، أو ليعلمهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

توضيح معنى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ)

هذا الأمر يأتي في صورة خبر، ونفهم منه أنَّ الله -عز وجل- يطلب من عباده المؤمنين أن ينصروا دينه من خلال إقامة شعائره، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجاهدة كل من يحاول الإساءة إليه أو تشويه صورته، ويشترط في كل ذلك الإخلاص لله -تبارك وتعالى-.

الفروق الدلالية بين استخدام (إن) و (إذا) الشرطيتين

في اللغة العربية، تستخدم “إذا” الشرطية للتعبير عن الأمر المؤكد أو الغالب الوقوع، بينما تستخدم “إن” الشرطية للتعبير عن الأمر المشكوك في وقوعه أو قليل الحدوث.

في الآية الكريمة (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ)، تم استخدام حرف (إن) الذي يشير إلى الشك في وقوع الفعل؛ وذلك لقلة من يقومون بنصرة الله حق النصرة، وهذا يحفز على المسارعة والمنافسة والتحدي لتحقيق التميز والريادة، كما يشير إلى صعوبة الشرط وعظمته.

التمييز بين (يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)

لا يمكن القول بأن هناك ترادفًا تامًا بين كلمتي (يَنْصُرْكُمْ) و (يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، لأن حرف العطف (الواو) يفيد المغايرة. السياق يسمح بأن تكون جملة (يَنْصُرْكُمْ) متعلقة بأوقات الحرب والقتال، بينما جملة (يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) متعلقة بأوقات السلم والاستقرار. والمعنى: سيوفقكم الله -سبحانه وتعالى- بالنصر والتأييد في كلتا الحالتين: عند قتالكم لأعدائكم في الحرب، وبعد ذلك سيوفقكم لتثبيت أقدامكم على دينه، والشكر على نعمه، والرفعة والتمكين في الأرض.

نظرة شاملة لتفسير الآية وموقعها في السورة

التفسير الشامل للآية

وعد الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين بجزاءين عظيمين إذا حققوا شرطًا واحدًا، كما جاء في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، أي: إذا نصرتم دين الله وأوليائه، فإنه سينصركم على أعدائكم.

وعلى هذا، إذا تحقق الشرط:(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ)؛ فستنالون الجزاءين:(يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، أي: ستغلبون أعداءكم، ويثبت الله أقدامكم فلا تتزلزل في أي حرب قادمة معهم، مهما بلغ عددهم وعتادهم مقارنة بعددكم وعتادكم.

مكانة الآية الكريمة ضمن سياق السورة

تتجلى أهمية موقع هذه الآية في سورة محمد ﷺ بعد فهم السياق الذي يسبقها ويلحق بها:

السياق السابق: قبل هذه الآية الكريمة، كان الحديث يدور حول القتال، وأنَّ الله -تعالى- لو شاء لانتصر للمسلمين من أعدائهم بأيسر الطرق، فقال:(وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) [محمد: 4]. فحين يسمع الإنسان هذا، يتطلع لمعرفة صفات المقاتل الذي يستحق معية الله ونصره، فيسلك طريقه، ويحذر من الأسباب التي تؤدي إلى خذلان الله له. فجاء الخطاب في هذه الآية ليخبرهم بما يتشوفون لسماعه من أسباب النصر والتمكين.

السياق اللاحق: بعد الحديث عن الذين يستحقون معية الله -تعالى-، تم التطرق إلى خذلان من يعارضهم، فقال:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 8]. فهما نتيجتان متقابلتان: لمن ينصر الله أمرين: النصر والثبات، وفي المقابل، فإن لعدوهم -إذا حقق المسلمون شرط نصرة الله- أمرين: السقوط وضياع العمل.

الدروس المستفادة من الآية

يمكن استخلاص العديد من الدروس والعبر والأحكام من هذه الآية، ومن أبرزها:

  • النصر الإلهي لعباده الصالحين أمر حتمي، ولكنه مشروط بنصرة دين الله -تعالى-، وتطبيق أحكامه بالالتزام بأوامره واجتناب نواهيه.
  • على المسلم أن لا ينتظر نصرًا إلهيًا غيبيًا يتعارض مع سنن الكون، بل عليه أن يبدأ بنفسه فيجاهد شهواته وأهواءه، وأن يناصر أولياءه، ثم ليطلب النصر من الله.
  • لا يتأخر النصر لضعف الناصر -تعالى-؛ فله الجنود في السماوات والأرض، ولكن الأهم هو: هل يستحق طالب النصر هذا النصر؟
  • حتى بعد تحقيق النصر على العدو -بهزيمته والظفر به-، فهذه ليست النهاية، بل الأهم هو طلب التمكين بسؤال ثبات الأقدام -عند الرخاء- كي لا تضيع التضحيات التي جلبت النصر سدىً.
  • العبد يريد نصرًا يراه بعينه في الدنيا، والله بحكمته يريد للعبد خيرًا لا يُشترَط أن يراه العبد بعينه.

المراجع

  1. أبو بكر الجزائري، نداءات الرحمن لأهل الإيمان، صفحة 7. بتصرّف.
  2. عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن، صفحة 758. بتصرّف.
  3. فاضل السامرائي، لمسات بيانية، صفحة 156-159. بتصرّف.
  4. محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط، صفحة 225. بتصرّف.
  5. سورة محمد، آية: 7
  6. أبو منصور الماتريدي، تأويلات أهل السنة، صفحة 267. بتصرّف.
  7. أبو الليث السمرقندي، بحر العلوم، صفحة 299. بتصرّف.
  8. برهان الدين البقاعي، نظم الدرر، صفحة 209. بتصرّف.
  9. سورة محمد، آية: 4
  10. سورة محمد، آية: 8
  11. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 93. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تحليل وتأويل الآية الكريمة (إن المنافقين في الدرك الأسفل)

المقال التالي

تأملات في آية زلزلة الساعة: دلالات وعِبر

مقالات مشابهة