أهمية البيع والشراء في الحياة الإسلامية
يُعدّ عقد البيع ركيزةً أساسيةً في الاقتصاد الإسلامي، فهو من العقود المالية التي لا غنى للمسلم عنها، ويتعلق بشكل مباشر بحياته اليومية. لذا، شدّد الإسلام على ضرورة فهم أحكام البيع والشراء تفادياً للوقوع في المحظورات الشرعية. وتتنوع أحكام البيع من حيث الجواز، الكراهة، أو الحرمة، وذلك حسب الشروط والأركان التي يقوم عليها كل عقد.
التعريف الفقهي لعقد البيع
لُغةً، البيع هو ضد الشراء، ويُقابله في المعنى. اصطلاحاً، اتفق الفقهاء على أن البيع عقدٌ له تعريفات متعددة. فقد عرّفه ابن قدامة الحنبلي بأنه: “مبادلة مال بالمال تمليكاً وتملكاً”.[٢] بينما عرّفه ابن عرفة: “عقد معاوضة على غير منفعة ولا متعة ولذة”.[٣] وذهب الشافعية إلى تعريفه بأنه: “مقابلة مالٍ بمال على وجهٍ مخصوص”.[٤] ويُلاحظ اختلاف هذه التعريفات في دقّة الصياغة، إلا أنها تتفق في جوهرها على معنى التبادل المالي.
أركان عقد البيع: الشروط الأساسية للصحة
يتفق جمهور الفقهاء على أن لعقد البيع أركاناً أساسيةً، يُشترط توافرها لصحّة العقد. وقد اختلفوا في عددها، إذ يرى الحنفية أن الصيغة هي الركن الوحيد، بينما يرى المالكية والشافعية والحنابلة أن هناك أركاناً أخرى. وسنتناول هذه الأركان بالتفصيل:
الصيغة: لفظ البيع والقبول
الصيغة هي اللفظ الذي يُعبّر عن إرادة المتعاقدين. وتتمثل في الإيجاب، وهو عرض البيع، والقبول، وهو الموافقة على العرض. فمثلاً، يقول البائع: “أبيعك هذه السلعة بكذا”، فيكون هذا إيجاباً. ويقول المشتري: “قبلت”، فيكون هذا قبولاً. ويشترط في الصيغة أن تكون بألفاظ صريحة، مشتقة من لفظ “باع” أو “ملك”. ويمكن أن يكون البيع أيضاً بغير لفظ، بالمعاطاة، عندما يتسلم المشتري السلعة ويعطي الثمن دون كلام.
العاقدان: البائع والمشتري
يُعدّ البائع والمشتري ركناً أساسياً في عقد البيع، وفقاً لمعظم المذاهب الفقهية. ويشترط في العاقدين شروط: البلوغ والعقل، فلا يجوز بيع الصغير أو المجنون. كما يجب أن يكون العاقد مختاراً، غير مكره، وبصيراً بما يبيعه أو يشتريه.
المعقود عليه: الثمن والمُثمَّن
يتكون المعقود عليه من المُثمَّن، وهو السلعة المباعة، والثمن، وهو المبلغ المدفوع مقابلها. ويشترط في كليهما شروط: الطُهارة، فلا يجوز بيع أو شراء نجس، والانتفاع، فلا يجوز بيع ما لا يُنتفع به، والإعلام، فيجب أن يكون كل من المُثمَّن والثمن معلوماً للطرفين، والتسليم، ويجب أن يكون مقدوراً على تسليمه، والملكية، ويجب أن يكون مملوكاً للبائع.
المصادر والمراجع
[١] ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، جزء ١، ص ٤٠١.[٢] موفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المغني، مصر: دار الحديث، جزء ٥، ص ٢١٨.
[٣] أبو عبد الله محمد الأنصاري الرصاع المعروف بابن عرفة، شرح حدود ابن عرفة، بيروت: دار الغرب الإسلامي، ص ٣٢٦.
[٤] مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، جزء ٩، ص ٧١.
[٥] مالك القضاة، أثر الغرر في المعاملات المالية المعاصرة، عمان-الأردن: دار آمنة، ص ١٥٩.
[٦] عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت: دار الكتب العلمية، جزء ٢، ص ١٤١-١٥٠.
[٧] أحمد بن لؤلؤ بن عبد الله الرومي، عمدة السالك وعدة المناسك، قطر: الشؤون الدينية، ص ١٥٠.