فهم المذهب الواقعي الطبيعي

استكشاف المذهب الواقعي الطبيعي في الأدب العربي: نشأته، سماته المميزة، وأسسه الفكرية. نظرة متعمقة في تأثيره على الأدباء والمفكرين العرب.

مقدمة حول الواقعية الطبيعية

تعتبر المدرسة الواقعية إحدى أبرز المدارس الأدبية التي تسعى إلى تقديم صورة مطابقة للواقع دون تجميل أو تزييف. يرتكز هذا المذهب الأدبي على الابتعاد عن الخيال والتركيز على وصف الأشياء والأحداث بدقة كما هي موجودة في العالم الحقيقي. يعتقد أتباع هذا المنهج أن الكون لا يقتصر على الإنسان وتجاربه الشخصية، بل يتعداه ليشمل كل ما يحيط به من ظواهر طبيعية واجتماعية.

تسعى الواقعية الطبيعية إلى تحفيز العقل على التفكير في مستقبل أفضل، وفهم القوانين التي تحكم تطور العالم، ومحاولة تفسير الطبيعة للإنسان، وتحديد العلاقة التي تربطه بالواقع الخارجي. وقد انعكست هذه الأفكار بشكل واضح على القواعد والخصائص التي تميز الأدب الواقعي.

لقد ساهمت الواقعية في تغيير نظرة الإنسان إلى العالم، حيث أصبح ينظر إليه كمادة خام قابلة للتصوير والتحليل. وقد أتاحت له هذه النظرة الشمولية إمكانية استكشاف الواقع بعمق أكبر، والتعبير عنه بطريقة أكثر موضوعية وبعيدة عن الذاتية والخيال.

الخلفية التاريخية للواقعية الطبيعية

ظهرت الواقعية الطبيعية أولاً في أوروبا، ثم انتقلت إلى العالم العربي نتيجة للتفاعل الثقافي بين الأدباء والمثقفين العرب والأوروبيين الذين درسوا الأدب الأوروبي. وكانت نشأة هذه المدرسة بمثابة رد فعل على الاتجاهات الرومانسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

رأت الواقعية الطبيعية أن الرومانسية قد بالغت في استخدام الوهم والخيال، وأهملت الواقع الحقيقي ومشكلاته. لذلك، دعت إلى الاقتراب من التطورات العلمية والإنجازات التي تحققت في مجالات العلوم الطبيعية والوراثة والبيولوجيا والفلسفة.

تبنت الواقعية الطبيعية الموضوعية ورفضت الخيال بجميع أشكاله، وسعت إلى تصوير الطبيعة والحياة بواقعية تامة، مع تجنب أي إضافة أو تزييف. وقد فرضت على الباحثين شروطًا صارمة للتجرد من الأحاسيس والأفكار الخيالية، لكي يتمكنوا من نقل وتصوير الواقع كما هو دون تحريف.

السمات الأساسية للواقعية الطبيعية

يعتبر إميل زولا، مؤلف “الحيوان البشري”، والكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير من أبرز رواد المدرسة الواقعية الطبيعية. وتتميز هذه المدرسة بالعديد من الخصائص، منها:

  • التركيز على تصوير الواقع الاجتماعي: تهتم الواقعية الطبيعية بتصوير واقع الإنسان في مجتمعه، وتعكس الصراعات القائمة بشكل واقعي ودقيق.
  • الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة: تولي الواقعية الطبيعية اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل الصغيرة، سواء كانت مهمة أم لا، مثل الأصوات والألوان والحركات.
  • معالجة القضايا الاجتماعية: تركز الواقعية الطبيعية على الجوانب السلبية في المجتمع الإنساني، مثل الجهل والفقر والجريمة، وتسعى إلى معالجة هذه المشاكل.
  • الموضوعية في التحليل: يعتمد أصحاب المنهج الواقعي على تحليل النصوص بموضوعية تامة، مع الابتعاد عن آراء الكاتب وتوجهاته الشخصية.
  • البحث عن الأسباب الكامنة: تسعى الواقعية الطبيعية إلى فهم الأسباب الكامنة وراء الظواهر المختلفة، من خلال التأمل والتحليل.
  • التوفيق بين العلم والأدب: تحاول الواقعية الطبيعية التوفيق بين التطورات العلمية والنصوص الأدبية، وتستفيد من العلوم المرتبطة بالطبيعة.
  • إثراء العقل وتنمية الشخصية: تهدف الواقعية الطبيعية إلى إثراء عقل القارئ وتنمية شخصيته، من خلال تشجيعه على القراءة والمشاركة في التحليل والبحث عن حلول للمشاكل المطروحة.

الركائز الأساسية للواقعية الطبيعية في الأدب العربي

تستند المدرسة الواقعية الطبيعية في الأدب العربي إلى مجموعة من المبادئ الأساسية، وهي:

  • التركيز على المجتمع: يعتبر المجتمع أساس الأدب الواقعي، حيث تسلط الضوء على الحياة البشرية والمشكلات التي تواجهها، مع الابتعاد عن الخيال والخرافات التي لا تمت للواقع بصلة.
  • الوضوح: تتسم الأفكار في الأدب الواقعي بالوضوح والبعد عن الغموض، مع الحرص على الجمع بين الواقعية والتشويق لجذب انتباه القارئ.
  • اللغة السهلة: تستخدم الواقعية الطبيعية لغة سهلة ومبسطة للتواصل المباشر مع المجتمع، ولضمان وصول العمل الأدبي إلى جميع طبقات المجتمع.
  • التصوير الدقيق: تهتم الواقعية الطبيعية بتصوير الواقع بكل ملامحه وأبعاده، مع التركيز على مكونات المجتمع والابتعاد عن الرموز والغموض، والاعتماد على الدقة والمباشرة في التصوير.

المصادر

  • أبتجورج لوكاتش ،دراسات في الواقعية، صفحة 26. بتصرّف.
  • أبتعباس خضر ،الواقعية في الادب، صفحة 34-33-35. بتصرّف.
  • رشيد بوشعير،الواقعية وتياراتها، صفحة 73 . بتصرّف.
  • صلاح فضل،الواقعية في الابداع العربي، صفحة 65. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

التيار الواقعي الحديث في الأدب

المقال التالي

التعبير الواقعي في الفنون الجميلة

مقالات مشابهة