القضاء والقدر لغةً وشرعاً
يشير مصطلح “القضاء” لغوياً إلى الإحكام والإتقان والتمام، بينما يُعرّف شرعاً بأنه تقدير الله -عز وجل- للكائنات بناءً على علمه وحكمته وإرادته. أما “القدر” فلغته تعني الإحاطة بمقادير الأشياء، واصطلاحاً هو علم الله -تعالى- بها وكتابتها قبل وجودها. يكاد المعنى يتطابق في كليهما، إذ يُشير كلاهما إلى التقدير الإلهي الدقيق والكامِل.
يُعدّ الإيمان بالقضاء والقدر ركناً أساسياً من أركان الإيمان الستة، كما ورد في الحديث الشريف: (وتُؤمِنَ بالقَدَرِ كُلِّه، خَيرِه وشَرِّه)،[١]
الإيمان الراسخ بالقضاء والقدر
الإيمان الصحيح بالقضاء والقدر يتطلب عدة جوانب أساسية: أولها العلم الإلهي الشامل لكل شيء، ماضياً ومستقبلاً وممكنًا، كما في قوله تعالى: (هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).[٦]
ثانياً، الكتابة الإلهية في اللوح المحفوظ، حيثُ سُجلت مقادير جميع الخلق منذ الأزل، كما جاء في قوله تعالى: (وَما يَعزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثقالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصغَرَ مِن ذلِكَ وَلا أَكبَرَ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ).[٧]
ثالثاً، التقدير، سواءً التقدير الأزلي عند خلق الإنسان، أو التقدير السنوي في ليلة القدر، أو التقدير اليومي. يقول تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).[٨]
رابعاً، الخلق الإلهي لكل شيء، بما في ذلك أفعال العباد.
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: السكينة واليقين
لإيمانٍ صادقٍ بالقضاء والقدر ثمرات عظيمة، أهمها: الطمأنينة القلبية، حيثُ يجد المسلم راحةً وسكينةً بتسليم أموره لله، كما في قوله تعالى: (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ).[١٠] ولا يُصاب باليأس أو القنوط، بل يبذل جهده ويتوكل على الله.
كما يُكسبه الإيمان اليقين بأنَّ كل ما يُصيب الإنسان هو بإرادة الله، كما في قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (واعلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعَتْ على أنْ يَنْفَعوكَ بشَيءٍ، لم يَنْفَعوكَ إلَّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لك، وإنِ اجْتمعوا على أنْ يَضُروكَ بشَيءٍ، لم يَضُروكَ إلَّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ).[١١]
ولا يُغفل المسلم الأخذ بالأسباب، فالتوكل لا يعني الكسل، بل هو مُكمّلٌ للعمل والاجتهاد. وقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يأخذ بالأسباب في حياته.
وأخيراً، يُحرر الإيمان بالقضاء والقدر طاقات الإنسان الكامنة، فيُسعى لبناء الحياة وتحقيق الخير والعدل ونشر الدين.
المراجع
- [١] رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2924، حسن.
- [٢] سورة البقرة، آية: 156-157.
- [٣] سورة الأنعام، آية: 148.
- [٦] سورة الحشر، آية: 22.
- [٧] سورة يونس، آية: 61.
- [٨] سورة الدخان، آية: 4.
- [١٠] سورة الحديد، آية: 23.
- [١١] رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج رياض الصالحين، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 62، إسناده صحيح.