المحتويات
مقدمة حول القدرات الذهنية
إنّ البحث في القدرات الذهنية هو بحث عريق، يعود إلى أيام الفلاسفة الذين حاولوا فهم طبيعة العقل وقدراته. اعتمد هؤلاء المفكرون على التأمل الذاتي والملاحظة، وهي طرق قيّمة ولكنها تفتقر إلى الدقة العلمية. اليوم، يعتمد علم النفس على الأساليب التجريبية والتحليل العلمي لفهم هذه القدرات بشكل أعمق وأكثر دقة.
تعريف القدرات الذهنية في علم النفس
تتعدد التعاريف التي يقدمها علم النفس للقدرات الذهنية، وذلك تبعًا للزاوية التي ينظر إليها التعريف. بعض العلماء يركزون على التركيب والبنية، بينما يركز آخرون على الوظيفة والأداء. وبشكل عام، يمكن تعريف القدرات الذهنية بأنها عملية إدراكية وحركية تتضمن قدرات متنوعة ومستمرة، يتم تنشيطها بعد تحفيز الاستعداد الوراثي بالمؤثرات الخارجية المناسبة. فيما يلي بعض التعريفات البارزة للعلماء:
- تيرمان: القدرة على التفكير المجرد.
- كولفن: الوصول إلى القدرة على التعلم.
- شترن: القدرة العامة على التكيف العقلي مع المواقف والمشكلات الجديدة.
- جورداد: القدرة على استخدام الخبرات السابقة في حل المشكلات الحالية وتوقع المشكلات المستقبلية.
- هارود جاردنز: مستوى كفاءة الفرد الفكرية، المتشكلة من مجموعة من المهارات التي تمكنه من حل المشكلات واكتساب المعارف.
أما تعريفات علم النفس للقدرات الذهنية بناءً على التركيب التكويني، فتشمل:
- بينيه: تتكون من أربع قدرات: الفهم، الابتكار، النقد، والقدرة على توجيه عمليات التفكير والاستمرار فيها.
- سبيرمان: القدرة أو الاستعداد الفطري العام الذي يؤثر في آلية عمل النشاط العقلي بأشكاله ومواضيعه كافة.
- ثورندايك: مجموع المتوسط الحسابي للعديد من القدرات المستقلة عن بعضها، رافضًا مبدأ القدرات الذهنية العامة.
- سيريل بييرت: القدرات الفطرية المعرفية العامة.
أهم الآراء المفسرة لطبيعة القدرات الذهنية
ظهرت العديد من النظريات التي تحاول تفسير طبيعة القدرات الذهنية وتكوينها. من أهم هذه النظريات:
رأي سبيرمان حول العاملين
يرى سبيرمان أن القدرات الذهنية ليست عملية محددة كالإدراك والتفكير، بل هي عامل عام يؤثر على جميع العمليات والقدرات العقلية بنسب متفاوتة بالاشتراك مع العوامل المؤثرة بشكل خاص. العامل العام يؤثر على العمليات المختلفة كالاستدلال والابتكار والإدراك الحسي بنسب مختلفة. وبذلك فإن القدرات الذهنية هي جوهر وأساس العمل والنشاط العقلي لتظهر في كافة استجابات الفرد ونشاطاته المختلفة، بالإضافة إلى وجود الاستعدادات النوعية الخاصة.
رؤية ثورندايك للعوامل المتنوعة
يعتقد ثورندايك أن القدرات الذهنية تتكون من مجموعة من القدرات أو العوامل المتعددة، فعند قيام الفرد بالعملية العقلية الواحدة يجب أن تعمل القدرات بصورة مشتركة فيما بينها باعتبار وجود روابط تربط كل عملية بالأخرى. كما يرى أن العمليات العقلية هي نتيجة للعمل المعقد للجهاز العصبي الذي يقوم بوظائفه ومهامه بشكل متكامل. يصنف ثورندايك القدرات الذهنية إلى ثلاثة أنواع:
- القدرات الذهنية المجردة: القدرة على معالجة المفاهيم والألفاظ والرموز المجردة بكفاءة عالية.
- القدرات الذهنية الاجتماعية: القدرة على التكيف والتفاعل الاجتماعي بفاعلية، وإقامة علاقات اجتماعية جيدة وناجحة.
- القدرات الذهنية الميكانيكية: قدرة الفرد على التعامل مع الأشياء والأجسام المادية المحسوسة.
نظريات العوامل الفئوية لثيرستون
يرى ثيرستون أن القدرات الذهنية هي مجموعة من القدرات والمهارات العقلية الأولية منفصلة عن بعضها البعض بشكل جزئي؛ حيث إن هناك عمليات عقلية معقدة يظهر بينها عامل مشترك بشكل رئيسي للعمل بشكل متضافر للقيام ببعض المهارات. يظهر ذلك مثلاً من خلال حاجة الفرد لاستخدام القدرات العددية والقدرة على تكوين التصور والبعد البصري والقدرة على الاستدلال لفهم الجبر والعمليات الرياضية والهندسية. كما أنه عند الحاجة لفهم القصائد فإن الفرد يحتاج إلى استعمال عدد من القدرات بشكل مشترك كالقدرة على فهم المعاني والقدرة على التذكر والقدرة على الطلاقة اللفظية.
رؤية جاردنر للقدرات الذهنية المتعددة
يصنف جاردنر القدرات الذهنية إلى ثمانية أنواع، ويضيف على هذه الأنواع خاصيتين مشتركتين توجد بها؛ فالخاصية الأولى هي أن جميع هذه القدرات غير وراثية فقط بل إنها قد تكون مكتسبة، أما الخاصية الثانية هي أن هذه الأنواع قابلة للتعلم والتدريب. وهذه الأنواع هي:
- القدرات الذهنية اللفظية أو اللغوية: القدرة على تعلم اللغات وتوظيف اللغة المنطوقة والمكتوبة في التعبير.
- القدرات الذهنية الرياضية أو المنطقية: القدرة على التحليل المنطقي للمشكلات، وإتمام العمليات الحسابية المعقدة، بالإضافة إلى استخدام مهارات التفكير الناقد والتعليل والاستنتاج، والقدرة على التقصي والبحث العلمي.
- القدرات الذهنية الحركية أو الحسية: القدرة على استخدام القدرات الجسمية والحركية لتحقيق أهداف معينة.
- القدرات الذهنية الاجتماعية أو التفاعلية: القدرة على فهم دوافع الآخرين والتأثير بهم والعمل معهم.
- القدرات الذهنية الذاتية أو الفردية: قدرة الفرد على استخدام قدراته وإمكاناته لتطوير ذاته، بالإضافة إلى قدرة الفرد على فهم ذاته وفهم أحاسيسه ومشاعره ودوافعه ومخاوفه.
- القدرات الذهنية الموسيقية أو النغمية: القدرة على التعامل مع النغمات الموسيقية والقدرة على تقليدها.
- القدرات الذهنية المكانية أو التصورية: القدرة على استخدام المساحات والفراغات المكانية.
- القدرات الذهنية الحيوية أو البيئية: القدرة على التفاعل مع البيئة الحيوية والطبيعية والتعرف على الأصناف المختلفة فيها.