مقدمة
الذاكرة هي جوهر وجودنا، فهي تسمح لنا بتجميع الخبرات، والتعلم من الماضي، والتخطيط للمستقبل. إنها ليست مجرد مخزن للمعلومات، بل هي عملية ديناميكية مستمرة تشكل هويتنا وتوجه سلوكنا. بدون الذاكرة، سيصبح العالم سلسلة من اللحظات المنفصلة، غير قادرة على الاتصال أو إعطاء معنى. تلعب الذاكرة دورًا حاسمًا في كل جانب من جوانب حياتنا، بدءًا من تذكر أسماء الأشخاص وصولًا إلى حل المشكلات المعقدة.
آلية عمل الذاكرة
تعتبر الذاكرة نظامًا معقدًا للغاية يتضمن مجموعة متنوعة من العمليات المعرفية. في جوهرها، الذاكرة هي القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها عند الحاجة. تتضمن هذه العملية ثلاثة جوانب رئيسية: الترميز والتخزين والاسترجاع. الترميز هو عملية تحويل المعلومات الحسية إلى شكل يمكن للدماغ معالجته وتخزينه. التخزين هو عملية الاحتفاظ بالمعلومات المشفرة بمرور الوقت. الاسترجاع هو عملية الوصول إلى المعلومات المخزنة واستخدامها.
ترتبط الذاكرة ارتباطًا وثيقًا بتجارب الإنسان، فهي تتأثر بالحاضر والمستقبل. نستخدم المعلومات والأحداث من الماضي لاتخاذ قرارات في الوقت الحاضر وحل المشكلات. بدون الذاكرة، لن نتذكر ما تناولناه من طعام بالأمس، ولن يتمكن المدير من تذكر ملامح موظفيه ومهاراتهم. نعتمد أيضًا على الذاكرة في التعلم والتخطيط للمستقبل.
عمليات تكوين الذاكرة
حدد علماء النفس ثلاث مراحل رئيسية لتكوين الذاكرة:
- ترميز المعلومات: تتضمن هذه المرحلة تغيير شكل المعلومات التي تتلقاها الحواس، مثل السمع أو البصر، إلى شكل آخر يمكن لنظام الذاكرة التعامل معه. على سبيل المثال، عند رؤية صفحة في كتاب، يمكن ترميز هذه الصفحة كصورة أو صوت أو معنى.
- تخزين المعلومات: بعد الترميز، يتم تخزين المعلومات. الطريقة التي يتم بها تخزين المعلومات تؤثر بشكل كبير على عملية استرجاعها لاحقًا. الفترة الزمنية بين وقت التعلم ووقت الاختبار تسمى فترة الاحتفاظ. خلال هذه الفترة، يمكن تحفيز الذاكرة، مما يساعد على حفظ المعلومات بشكل أفضل.
- استرجاع المعلومات: هذه هي المرحلة الأخيرة من الذاكرة، حيث يتم استيراد المعلومات التي تم ترميزها وتخزينها سابقًا لاستخدامها عند الحاجة. يرتبط هذا بتذكر المعلومات. قد يكون عدم القدرة على تذكر معلومة ما ناتجًا عن عدم القدرة على استرجاعها.
أسباب وظاهرة النسيان
يُعرَّف النسيان بأنه عدم القدرة على استرجاع ذكريات من الماضي أو عدم تذكر معلومات جديدة أو أحداث تحدث في الوقت الحاضر، أو كليهما. قد يكون هذا النسيان مؤقتًا أو دائمًا، وقد يزداد سوءًا بمرور الوقت. يمكن أن يحدث النسيان ببساطة لأن المعلومات لم تعد موجودة في الذاكرة، أو أنها لا تزال موجودة ومخزنة، ولكن لسبب ما لم يعد من الممكن استرجاعها. يحدث النسيان بشكل متكرر في حياة الإنسان وقد يكون طبيعيًا مع التقدم في العمر، أو قد يكون مؤشرًا على مشاكل صحية تتطلب تدخلًا طبيًا. قد ترتبط مشاكل الذاكرة الصحية بالخرف. في كثير من الأحيان، يكون النسيان الذي يؤدي إلى تعطيل وظائف الإنسان اليومية وقدراته المهنية والاجتماعية أحد المؤشرات الأولى للتعرف على الخرف وتشخيصه، على عكس النسيان الطبيعي المرتبط بالتقدم في العمر والذي لا يعطل الوظائف اليومية للإنسان.
متى يستدعي النسيان التدخل الطبي؟
فيما يلي أمثلة على المؤشرات التي تدل على ضرورة استدعاء تدخل طبي لتأثيرها على وظائف الإنسان اليومية والحياتية:
- تكرار السؤال نفسه عدة مرات، وعدم القدرة على تذكر كلمات شائعة أثناء الحديث.
- نسيان طريق معروف، مثل طريق المنزل، أو حتى نسيان كيفية قيادة السيارة.
- نسيان أمور حدثت في اليوم السابق، حتى مع إعطاء تلميحات مساعدة على التذكر.
- نسيان أسماء الأشياء وأماكن وضعها وكيفية استخدامها.
طرق فعالة لتحسين الذاكرة
فيما يلي بعض الخطوات والأنشطة التي قد تكون فعالة في تحسين ذاكرة الإنسان وعملها:
- الحفاظ على النشاط الذهني: مثل تعلم أشياء جديدة، كتعلم العزف على آلة موسيقية أو ممارسة الألعاب الذهنية.
- الحفاظ على النشاط الاجتماعي: وزيادة التفاعلات الاجتماعية، كالالتقاء بالأصدقاء والعائلة من وقت لآخر باستمرار.
- التنظيم: يعد التنظيم أحد أبرز الأنشطة المحفزة للذاكرة؛ كتنظيم الوقت وقوائم المهام والأدوات؛ حيث أن الأمور والأدوات المتناثرة وغير المنظمة قد تحفز على النسيان.
- النوم الكافي: يحتاج الفرد البالغ في الغالب إلى 7-8 ساعات من النوم العميق.
- اعتماد نظام غذائي متوازن: يحتوي على العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم.
- المواظبة على الأنشطة البدنية والرياضية: والالتزام بتعليمات الطبيب المتعلقة بعلاج الأمراض للحفاظ على صحة الجسم، وبالتالي صحة الدماغ وتحسين الذاكرة.