فهم الإيمان: جوهره، أركانه، وآثاره

استكشاف مفهوم الإيمان لغوياً واصطلاحاً، أركانه الستة، علاقة الإيمان بالإسلام والإحسان، زيادة ونقصان الإيمان، علامات قوته وضعفه، وأثره على الفرد والمجتمع.

فهرس المحتويات

جوهر الإيمان: تعريف لغوي واصطلاحي
أركان الإيمان الستة
علاقة الإيمان بالإسلام والإحسان
نمو الإيمان وتضاؤله
مقومات قوة الإيمان
أسباب ضعف الإيمان
أثر الإيمان على الفرد والمجتمع

جوهر الإيمان: تعريف لغوي واصطلاحي

في اللغة، يُشير الإيمان إلى التصديق المطلق.[1] أما اصطلاحاً، فهو قبول القلب وإذعانه لكل ما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-. وقد جعل الله -تعالى- الشهادتين دليلاً ظاهراً عليه، لتطبيق أحكام الإسلام على المؤمن، كالصلاة عليه، وصحّة التوارث معه وغيرها.[2]

أركان الإيمان الستة

يتألف الإيمان من ستة أركان أساسية:[3]

  1. الإيمان بالله -تعالى-، بأنه واحد لا شريك له.
  2. الإيمان بالملائكة، كمخلوقات نورانية تنفذ أوامر الله.
  3. الإيمان بالكتب السماوية، وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم، وهو أفضلها.
  4. الإيمان بالرسل، وخاتمهم النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-.
  5. الإيمان باليوم الآخر، وهو يوم القيامة للمحاسبة.
  6. الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، بأنه قدر الله -تعالى- بحكمته ومشيئته.

علاقة الإيمان بالإسلام والإحسان

يمثل الدين الإسلامي مراتب متعددة. أولها الإسلام، وهو الاستسلام لله -تعالى-، وتوحيده وطاعته، والبراءة من الشرك وأهله. فإن فقدت إحدى هذه الصفات، يصبح الشخص غير مسلم. ثم يأتي الإيمان، كما عُرف سابقاً. وأخيراً، الإحسان، وهو تحسين العلاقة بين العبد وخالقه في العبادة. وقد عرّفه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ).[4, 5]

يُعرّف الإسلام لغوياً بأنه الاستسلام والانقياد، واصطلاحاً بأنه الاستسلام والانقياد لأمر الله -تعالى- طوعاً أو كرهاً، كما في قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).[6, 7] وأركانه جاءت في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (بُنِيَ الإسْلامُ علَى خَمْسٍ، شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضانَ).[8]

أما الإحسان، فهو مراقبة العبد لخالقه في جميع أحواله، سرّاً وعلنًا، والمبادرة إلى فعل الخير بقصد مرضاة الله -تعالى-.[10] ويتحقق الإحسان بإخلاص الأعمال لله -تعالى-، وفعل ما يحبه، وأداءها على أكمل وجه، كما في قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا).[11, 12]

نمو الإيمان وتضاؤله

يزيد الإيمان بطاعة الله -تعالى-، وينقص بمعصيته. وقد وردت أدلة كثيرة على ذلك، كقوله تعالى: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا).[13] زيادة الإيمان تعني بعد صاحبه عن الشك، ونقصانه يكون بالشك. وكان أبو بكر -رضي الله عنه- من أقوى الناس إيماناً.[14] للإيمان حلاوة وطعم في القلب، كحلاوة الطعام للجسد. ولا يذوق الإنسان حلاوة الإيمان إذا كان قلبه مريضاً.[15] وقد وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- حلاوة الإيمان بقوله: (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).[16]

مقومات قوة الإيمان

تتعدد أسباب تقوية الإيمان، منها:[18]

  • العلم بالله -تعالى-، واسمائه وصفاته، وسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما جاء به، كما في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).[18]
  • العبادة، من خلال الإكثار من الطاعة، والبعد عن المعصية، للوصول إلى التقوى واليقين.
  • الذكر والتفكر، كما في قوله تعالى: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).[19]
  • الصمت الحكيم، والتقليل من الكلام غير المفيد، مع عدم الصمت عن الحق، كما في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-:(ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ).[20]
  • السير في الأرض، وأخذ العبرة والذكرى، كما في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).[21]
  • المشاركة في أعمال الخير الجماعية.
  • الدعاء.
  • الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم بخشوع، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ).[22]
  • الصوم.
  • الصّحبة الصّالحة، كما في قوله تعالى: (وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا).[23]
  • الاتصاف بالأخلاق الفاضلة.

أسباب ضعف الإيمان

من أسباب ضعف الإيمان:[30]

  • البعد عن الأجواء الإيمانية لفترة طويلة، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).[29]
  • البعد عن القدوة الصالحة.
  • الانشغال بالدنيا، وتقديمها على طاعة الله -تعالى- ورسوله، كما في قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).[30]
  • طول الأمل، وتأخير الأعمال الصالحة.

أثر الإيمان على الفرد والمجتمع

لإيمان آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، منها:[31, 32]

  • طمأنينة القلب والسعادة، كما في قوله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).[33]
  • الشجاعة والاستقامة والتقوى.
  • التحرر من الأفكار الباطلة.
  • الثبات على الإيمان في الشدة والرخاء، كما في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-:(عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).[34]
  • الوحدة والوئام بين المؤمنين، كما في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).[35]
  • المحافظة على النفس والمال.
  • الحرص على الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).[36]
  • الشعور بالعزة.
  • المشاركة الفعالة في المجتمع.
  • الوصول إلى معالي الأخلاق، كما في قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ).[37]

[1]مركز قطر للتعريف بالإسلام، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – قطر، التعريف بالإسلام، صفحة 109. بتصرّف.

[2]شمس الدين محمد بن أحمد الرملي، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان، الطبعة الأولى، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 8.

[3]محمد بن جميل زينو، توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، الطبعة الأولى، السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 9، جزء 1. بتصرّف.

[4]رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4777، صحيح.

[5]صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، شرح الأصول الثلاثة، الطبعة الأولى، بيروت – لبنان: مؤسسة الرسالة، صفحة 159-161. بتصرّف.

[6]سورة آل عمران، آية: 83.

[7]سيد عبد العاطي بن محمد الذهبي، شذا الرياحين في بيان مراتب الدين، صفحة 17. بتصرّف.

[8]رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح.

[9]عبد الرحيم بن صمايل العلياني السلمي، تأصيل علم العقيدة، صفحة 6، جزء 3. بتصرّف.

[10]محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 18، جزء 8. بتصرّف.

[11]سورة النساء، آية: 125.

[12]تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مجموع الفتاوى، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 622، جزء 7. بتصرّف.

[13]سورة المدثر، آية: 31.

[14]محيي الدين يحيى بن شرف النووي، فتاوى الإمام النووي المُسمّاة: “بالمسائل المنثورة”، الطبعة السادسة، بيروت – لبنان: دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 268. بتصرّف.

[15]زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن الحنبلي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، الطبعة الأولى، المدينة النبوية: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 50، جزء 1. بتصرّف.

[16]رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 43، صحيح.

[17]محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، التنوير شرح الجامع الصغير، الطبعة الأولى، الرياض: مكتبة دار السلام، صفحة 133-135، جزء 5. بتصرّف.

[18]سورة الزمر، آية: 9.

[19]سورة الرعد، آية: 28.

[20]رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6136، صحيح.

[21]سورة الحج، آية: 46.

[22]سورة الأنفال، آية: 2.

[23]سورة الكهف، آية: 28.

[24]أسماء بنت راشد بن عبد الرحمن الرويشد، طريقك إلى تقوية إيمانك، الربوة: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة، صفحة 27-34، جزء 1. بتصرّف.

[25]سورة النور، آية: 51-52.

[26]سورة الأنعام، آية: 17.

[27]سورة المجادلة، آية: 22.

[28]سورة العنكبوت، آية: 2-3.

[29]سورة الحديد، آية: 16.

[30]سورة آل عمران، آية: 14.

[31]عمر سليمان الأشقر، نحو ثقافة إسلامية أصيلة، الطبعة الرابعة، عمان – الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 138-140، جزء 1. بتصرّف.

[32]محمد عبد الله الشرقاوي، أثر الإيمان في الفرد والمجتمع، صفحة 432-436. بتصرّف.

[33]سورة الرعد، آية: 28.

[34]رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم: 2999، صحيح.

[35]سورة آل عمران، آية: 103.

[36]سورة القصص، آية: 77.

[37]سورة الماعون، آية: 1-2.

Total
0
Shares
المقال السابق

نبض الكلام: فهم إيقاع الشعر العربي

المقال التالي

فهم الإيمان وأساساته

مقالات مشابهة

أثر الكلمة الطيبة

تُعد الكلمة الطيبة من أهمّ الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، فهي تُثمرُ جميع الأعمال الصالحة، تُسعد القلوب، وتُحدث أثراً طيباً في النفس والقلوب، فضلاً عن دورها في تقوية الروابط بين الناس، وإصلاح المجتمعات.
إقرأ المزيد