مقدمة عن العمل الأهلي
يُعرف العمل الأهلي (بالإنجليزية: Civil Society) بأنه الكيان الذي يشمل المؤسسات والمنظمات التي تتشكل بمعزل عن سلطة الدولة المباشرة. يرتكز هذا الكيان على علاقة تطوعية واختيارية تجمع بين أفراده ومكوناته. يهدف العمل الأهلي إلى تحقيق مصالح مشتركة من خلال العمل الاجتماعي، ويشمل ذلك الأحزاب السياسية، والجمعيات الخيرية، والمنظمات غير الحكومية، والحركات الاجتماعية، والنقابات العمالية، ومنظمات حقوق الإنسان، وغيرها. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن العمل الأهلي ليس كيانًا متجانسًا تمامًا، وذلك بسبب الحدود غير الواضحة التي تفصله عن الحكومة والقطاعات التجارية المختلفة.
إن بناء العمل الأهلي يعتبر عملية معقدة ومتنوعة، ولكنه ضروري وأساسي لإيصال أصوات الفئات المهمشة وتعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرارات السياسية وتقديم الخدمات الأساسية. يُنظر إلى العمل الأهلي على أنه القطاع الثالث في المجتمع، إلى جانب الحكومة وقطاع الأعمال. وتدعم الأمم المتحدة جهود العمل الأهلي، إيمانًا منها بأنه يساهم في تحقيق الأهداف والقيم العليا للمنظمة.
برز مفهوم العمل الأهلي في ثمانينيات القرن الماضي، خلال المناقشات السياسية والاقتصادية التي قادتها الحركات غير الحكومية المعارضة للأنظمة الاستبدادية. يتمتع العمل الأهلي بسلطة كافية للتأثير على صناع السياسات، وهو في تطور مستمر نتيجة للتقدم التكنولوجي والتغيرات المستمرة. من الأمثلة على منظمات العمل الأهلي: منظمة العفو الدولية، والصندوق العالمي للطبيعة، والاتحاد الدولي لنقابات العمال. تختلف هذه المنظمات من حيث حجمها وهيكلها وسياساتها. هناك منظمات غير حكومية دولية، وحركات جماهيرية، ومنظمات صغيرة ومحلية. يعتبر التعاون من أجل البقاء أحد أهم أهداف العمل الأهلي، وذلك من خلال الممارسات الاجتماعية والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة.
أصبح العمل الأهلي مصطلحًا عالميًا، خاصة بعد ظهور حركات الديمقراطية الحديثة، حيث يساهم في تنشيط الحياة السياسية وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية. يعكس العمل الأهلي مجموعة من المفاهيم والأفكار في العصر الحديث، مثل التعددية والمنفعة الاجتماعية، والتي تعتبر ضرورية لتحسين الظروف في العالم والتصدي للعقبات التي تحول دون تحقيقها، مثل التعصب والتهديدات لحرية العمل والاعتقاد. على الرغم من أن تحقيق هذه الأهداف قد يبدو صعبًا، إلا أن التواصل بين الأفراد، بدءًا من الأسرة ووصولًا إلى الدولة، من خلال شبكة من القيم والأخلاق، يخلق انطباعًا إيجابيًا حول قدرة الأفراد على التغيير من خلال المشاركة في الحياة الخاصة والعامة.
السمات الأساسية للعمل الأهلي
يتميز العمل الأهلي بمجموعة من السمات الأساسية، والتي يمكن تحديدها وفقًا للمركز الدولي للقانون غير الهادف للربح (ICNL). تشمل هذه السمات:
- التعاون المتبادل: يشير إلى قدرة منظمات العمل الأهلي على التعاون والعمل المشترك وتبادل الأفكار والموارد لتحقيق المساواة. يمكنها التفاعل معًا لحل النزاعات بطرق سلمية. أي خلل في هذه الخاصية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل بين الأطراف المعنية.
- المصلحة الجماعية: ترتبط هذه السمة بالقدرة الاقتصادية للعمل الأهلي على المشاركة في التبادل المفتوح من خلال الإنتاج والتقسيم وتبادل السلع والموارد، وبالتالي تعزيز الروابط بين مختلف الكيانات المدنية.
- المشاركة الشاملة: تعني مشاركة جميع أعضاء العمل الأهلي في اتخاذ القرارات. يظهر ذلك بوضوح من خلال المنظمات والوكالات المجتمعية التي تعمل من أجل الصالح العام وتحقيق الأهداف المشتركة.
- العدالة وسيادة القانون: تتجسد هذه السمة في تطبيق سيادة القانون في العملية السياسية، والدفاع عن الحقوق العامة والخاصة. يقع على عاتق الأعضاء حماية حقوق الآخرين في حال تم استبعادهم من العملية السياسية.
- إدارة الموارد لتحقيق الصالح العام: تشمل هذه السمة قدرة العمل الأهلي على إدارة الموارد البشرية والمادية والطبيعية وغيرها. ترتبط هذه السمة بتمكين الشعب من اتخاذ القرارات، وتساهم في تعزيز الاقتصادات المحلية وتحسينها.
- الاتحاد والترابط: يشير إلى قدرة الكيانات المدنية على الاتحاد والتفاعل بحرية ودون قيود، والعمل لصالح المجتمع، وتقديم الدعم الذي يعزز هذه الروابط.
- السيادة الشعبية: تتمثل في قدرة المواطنين على المشاركة في جوانب الحكم السياسي واتخاذ القرارات المتعلقة بالحياة العامة من أجل تحقيق مصلحة الجميع.
- المساواة وتكافؤ الفرص: تعني حصول جميع أفراد المجتمع على نفس الفرص والموارد لضمان تحقيق العدالة والإنصاف للجميع.
- المساءلة: تتجسد في تحميل الجهات السياسية والاقتصادية المسؤولية عن أفعالها من خلال أنشطة مثل إجراء انتخابات نزيهة، وحرية التعبير، وحرية التنظيم في المجموعات، والصحافة الحرة، وغيرها.
الأهمية المحورية للعمل الأهلي
يضطلع العمل الأهلي بأدوار حيوية متعددة في المجتمع، منها:
- تقديم الخدمات: مثل توفير خدمات الرعاية الصحية وإدارة المدارس الابتدائية.
- الدفاع والمناصرة: كالضغط على الحكومة فيما يتعلق بحقوق الشعب والبيئة.
- المراقبة والرقابة: من خلال مراقبة امتثال الحكومات للمطالب الشعبية والمجتمعية.
- بناء المواطنة الفعالة: من خلال تحفيز المشاركة المدنية محليًا، وتشجيع التفاعل مع الحكومة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
- المشاركة في عمليات الإدارة العالمية: مثل العمل في المجلس الاستشاري لحساب صناديق استثمار المناخ العالمي التابعة للبنك الدولي.
الأسس الجوهرية للعمل الأهلي
يقوم العمل الأهلي على ثلاثة أسس أساسية في جميع المجتمعات، بغض النظر عن السياق الثقافي:
-
المشاركة التشاركية: وتعني أن أفراد المجتمع يتمتعون بعدة حقوق وحريات، مثل:
- حرية الشعب في المشاركة في التغيير الاجتماعي والعمل المدني.
- إمكانية الوصول إلى الموارد من أجل تحقيق الصالح العام.
- حرية المشاركة في الانتماءات الجماعية على مستوى المجتمع.
- السلطة الدستورية: حيث تلتزم السلطة الدستورية بحماية حقوق المواطنين من خلال سيادة القانون وتنفيذ السياسات العامة التي تعزز رفاهية المجتمع. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]
- المسؤولية الأخلاقية: وتظهر عند استخدام الحريات المدنية بطرق لا تنتهك حقوق الآخرين من أجل تحقيق العدالة والمساواة. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة». [رواه البخاري ومسلم].