مقدمة
يبدأ تحديد الإصابة بالمرض العقلي المعروف بالاكتئاب بزيارة الطبيب أو الأخصائي النفسي. هذه الخطوة ضرورية لاستبعاد أية مشاكل صحية أخرى قد تتسبب في أعراض مشابهة للاكتئاب، مما يضمن تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا فعالًا وآمنًا. تتضمن عملية التشخيص عدة خطوات أساسية.
الفحص السريري
قد يشمل الكشف عن الاكتئاب إجراء فحص جسدي شامل للمصاب، بالإضافة إلى طرح أسئلة حول حالته الصحية العامة. في بعض الحالات، قد يكون الاكتئاب مرتبطًا بمشاكل صحية جسدية معينة.
التحليل النفسي
يقوم الأخصائي النفسي بتوجيه مجموعة من الأسئلة للمريض تتعلق بالأعراض، الأفكار، المشاعر، وأنماط السلوك. قد يُطلب من المريض ملء استبيان للمساعدة في الإجابة على هذه الأسئلة.
للمساعدة في تشخيص الحالة، يمكن للمريض التفكير في بعض الأمور وتسجيل الإجابات المتعلقة بها قبل زيارة الطبيب، وتشمل هذه الأمور:
- المخاوف المتعلقة بالصحة النفسية والجسدية.
- الأعراض التي يعاني منها، والسلوكيات غير العادية التي قام بها.
- الأمراض التي عانى منها في السابق.
- الآثار الجانبية غير العادية التي لاحظها المريض عند استخدام أنواع معينة من الأدوية.
- أنواع الأدوية والمكملات الغذائية التي يستخدمها.
- طبيعة أنماط الحياة؛ والتي تتضمن ممارسة الرياضة، والنظام الغذائي المتبع، والتدخين، وشرب الكحول، وتعاطي المخدرات.
- عادات النوم.
- الأمور التي تسبب ضغطًا نفسيًا للمريض.
- الأسئلة التي تدور في باله حول الاكتئاب وأدويته.
- التاريخ العائلي للإصابة بالاكتئاب؛ إذ قد يشير التاريخ العائلي إلى زيادة خطر الإصابة باضطرابات معينة أو الانتحار؛ لذلك يجب أن يُسأل المريض عن تاريخه العائلي حول الاكتئاب، والانتحار، وأعراض الذهان النفسي كالأوهام والهلوسة، والتاريخ العائلي للإصابة بالاضطرابات النفسية الأخرى.[٤]
- الأسئلة التي تفيد التقييم الاجتماعي للمصاب؛ ويشمل ذلك تقييم الضغوطات الشخصية، والمهنية، والمالية، وتقييم حالة المريض السريرية أثناء زيارة الطبيب، كما قد يساعد تقييم الظروف الأسرية على معرفة مصادر الدعم المحتملة التي قد يُلجأ إليها في العلاج، وفهم سياق اضطراب المرض لدى الشخص المصاب بالاكتئاب.[٤]
- الاسئلة التي تفيد التقييم الذهني للمصاب؛ ويتم ذلك من خلال ملاحظة وجود علامات الاكتئاب وحدوث تغير في المزاج، والشعور، والإدراك، مثل: الانتباه، والتركيز، والذاكرة، ومعرفة النشاط النفسي الحركي، وطريقة التفكير والكلام، والاستفسار عن وجود أفكار انتحارية.[٤]
الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)
يعتمد الأطباء على المعايير الموجودة في الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) لتشخيص الاكتئاب.
لتشخيص الاكتئاب، يجب أن يعاني الشخص من خمسة أعراض على الأقل من الأعراض المتعلقة بالاكتئاب لمدة أسبوعين متتاليين على الأقل وبشكل يومي تقريبًا، وأن يكون أحد هذه الأعراض هو المزاج المكتئب أو فقدان الاهتمام والمتعة، وأن تتسبب هذه الأعراض في إعاقة قدرة الفرد على ممارسة أنشطته اليومية. كما يجب ألا تتفق الأعراض والعلامات الظاهرة على المريض مع حالات صحية أو نفسية أخرى. فيما يلي بيان لهذه الأعراض:
- المزاج المُكتئب في أغلب ساعات اليوم، وبشكل يومي تقريباً.
- ضعف الاهتمام أو فقدان الشعور بالمتعة تجاه ممارسة جميع الأنشطة تقريباً وخاصة الأنشطة التي كان الفرد يجد فيها المتعة في السابق.
- المعاناة مناضطرابات النّوم؛ كالأرق أو فرط النوم بشكل يومي تقريباً.
- الشعور بالتعب أو فقدان الطاقة بشكل يومي تقريباً.
- الشعور بعدم الأهمية أو فقدان القيمة الذاتية.
- تناقص القدرة على التركيز أو التفكير.
- التغيّر الواضح في وزن الجسم أو اضطرابالشهية.
- التهيج (سهولة الاستثارة أو سرعة الغضب) أو التخلف الحركي النفسي.
- التفكير المتكرر بالموت، والتفكير بالانتحار بشكلٍ متكرر دون تخطيط أو بوضع خطةٍ معينة للانتحار، أو محاولة الانتحار بشكل فعلي.
اختبارات إضافية
يعتمد تشخيص الاكتئاب بشكل أساسي على التقييم النفسي والتحدث مع المريض. الفحوصات أو الاختبارات العامة أو المخبرية ليست مفيدة في تشخيص الاكتئاب بحد ذاته. ولكن، بعد مراجعة المعلومات التي قدمها المريض، قد يطلب الطبيب إجراء بعض الفحوصات والتحاليل المخبرية إذا شك في وجود مشكلة صحية أخرى قد تساهم في ظهور الأعراض. هذا ما يعرف بالتشخيص التفريقي للاكتئاب، والذي يهدف إلى استبعاد الإصابة بهذه المشاكل الصحية قبل تشخيص الاكتئاب. فيما يلي بعض الأمثلة على الفحوصات التي قد يطلبها الطبيب:
- العد الدموي الشامل(بالإنجليزية:Complete blood count).
- تحليل كيمياء الدم (بالإنجليزية: Serum chemistry panels).
- تحليل البول.
- فحص وظائف الغدة الدرقية.
- فحص سمية البول؛ وذلك للتأكد من خلوه منالمخدرات.
- فحوصات أكثر شمولاً؛ فقد يطلبها الطبيب للمرضى الذين يعانون من حالات طبية مزمنة، أو متعاطي المخدرات، أو كبار السن، ومن هذه الفحوصات: فحص فيتامين ب 12، والفولات (بالإنجليزية: Folate)،وتخْطِيط كهربائية القلب(بالإنجليزية: Electrocardiogram).
- قد يطلب الطبيب فحوصات تصوير عصبية (بالإنجليزية: Neuroimaging) لكبار السن من الأفرد الذين تظهر عليهم أعراض الاكتئاب، ويشير تقييمهم الصحي الأولي إلى معاناتهم من أعراض تشير إلى اضطراب الجهاز العصبي.
التمييز بين الاكتئاب والأمراض الأخرى
هناك بعض الأمراض والمشاكل الصحية التي يمكن أن تتسبب في ظهور أعراض مشابهة للاكتئاب، ويستفسر الطبيب عن تاريخ الفرد المرضي أو يجري بعض الفحوصات أو الاختبارات لاستبعاد الإصابة بها. من الأمثلة على هذه المشاكل:
- اضطرابات الغدد الصماء: يمكن أن تؤثر اضطرابات الغدد الصماء في مزاج المصاب، كمرض أديسون (*) (بالإنجليزية: Addison’s disease)، ومتلازمة كوشينغ (*) (بالإنجليزية: Cushing syndrome)، وفرط أو خمول الغدة الدرقية؛[٦]فعلى سبيل المثال وُجد أنّخمول الغدة الدرقيةوالاكتئاب يتشابهان في العديد من الأعراض، مثل: المزاج المكتئب، وزيادة الوزن، والتعب، وصعوبة التركيز، في حين أنّ هناك أعراض خاصة يمكن أن ترافق أيضاً قصور الغدة الدرقية، مثل: الحساسية الزائدة لدرجات الحرارة الباردة،والإمساك، وتصلّب أو تشنج العضلات، وجفاف الجلد،وتساقط الشعر، واحتمالية تباطؤ معدل ضربات القلب، أما الأعراض التي ينفرد بها بعض مرضى الاكتئاب، فمنها: الشعور بعدم قيمة الذات وتحميلها الذنب، والتفكير بالموت أو الانتحار والتخطيط أو محاولة فعل ذلك، وعلى الرغم من هذا التفاوت في طبيعة بعض الأعراض بين قصور الدرقية والاكتئاب إلا أنّ التمييز بينهما قد يكون غير ممكن دون إجراءفحص الدم لقياس وظائف الغدة الدرقيةللتأكد من التشخيص الحقيقي في حال وجود شك لدى الطبيب باحتمالية إصابة الفرد بقصور الدرقية.
- الاضطرابات النفسية الأخرى: من الأمثلة على الاضطرابات النفسية التي يجدر بالطبيب المختص استبعاد الإصابة بها قبل تشخيص الاكتئاب ما يأتي:
- الاضطراب ثنائي القطب:(بالإنجليزية: Bipolar disorder)؛ وهو اضطراب يتمثل بتناوب مزاج الشخص بين فترات يكون فيها المزاج عالياً بشكل مفرط وغير طبيعي، وتُعرف هذه الفترات بنوبات الهوس (بالإنجليزية: Mania)، وفترات أخرى من الاكتئاب والإحباط الشديدين، ولذلك يُطلق عليه الاضطراب ثنائي القطب، ويجدر بالذكر أنّه من الممكن أن يفصل بين هذه التقلبات غير الطبيعية في المزاج فترات يكون فيه مزاج الشخص طبيعياً، ونظراً لتشابه هذا الاضطراب النفسي إلى حد كبير مع الاكتئاب في الفترة التي تظهر فيها نوبة الاكتئاب على المصاب فإنّ الطبيب يسأل المصاب في العادة عن ظهور أي أعراض سابقة عليه مشابهة لأعراض نوبات الهوس ليستبعد إصابته بالاضطراب ثنائي القطب ويشخصه بالاكتئاب، كما يعمد الطبيب بعد تشخيص الفرد بالاكتئاب بمتابعته للتأكد من عدم حدوث نوبات الهوس خلال العلاج، والتي تدل في حال حدوثها على أنّ الفرد يعاني من الاضطراب ثنائي القطب وليس مرض الاكتئاب، وأنّه يجب تغيير الخطة العلاجية له وفقاً لذلك.[٧][٨]
- اضطرابات القلق النفسية:إذ إنّ القلق يتشابه مع الاكتئاب ببعض النواحي، منها: أنّ الأشخاص الذين يعانون من القلق قد لا يرغبون بالخروج من غرفهم، أو لا يُحبّذون الانخراط في المهام الخارجية، وقد يتوقفون عن الذهاب إلى العمل، مما يؤثر في علاقاتهم الاجتماعية، والذي بدوره قد يؤدي إلى تطور الإصابة بالاكتئاب؛ لذلك من المهم معالجة أعراض القلق أولاً لمساعدة المريض على التخلص من أعراض الحزن والكآبة التي قد ترافق القلق في بعض الحالات.[٩]
- اضطرابات الجهاز العصبي: يمكن أن يرافق بعض اضطرابات الجهاز العصبي المركزي ظهور أعراض تدل على اضطراب مزاج الفرد أو سلوكه، ولكنّ الفرق الجوهري بين كل من الاكتئاب واضطرابات الجهاز العصبي -مثل: الخرف ومرض باركنسون- أنّ الاكتئاب لا ترافقه أعراض أو علامات عصبية بؤرية مثل: اضطراب الوظائف العقلية أو الذاكرة، أو الخدران، أو مشاكل في الحركة، أو الإحساس.[٦][١٠]
- استخدام بعض أنواع الأدوية أو الإدمان: يستفسر الطبيب عن الأدوية التي يتناولها المصاب حالياً أو التي استخدمها في الماضي، بما في ذلك الأدوية التي وُصفت من قِبَل طبيبٍ أو تلك التي لا تستلزم وصفة طبية؛ وذلك لوجود العديد من الأدوية التي يمكن أن تكون أعراض الاكتئاب أحد آثارها الجانبية، ولذلك تجب مراجعة الطبيب في حالة الشك باحتمالية المعاناة من أعراض الاكتئاب، سواء كانت مرتبطة بتناول دواء معين أم لا، وذلك لتحديد ما إذا كانت أعراض الاكتئاب مرتبطة باستخدام دواء معين أو بسبب الإصابة الفعلية بمرض الاكتئاب.[١١]وإضافة إلى ذلك يمكن للإدمان على الكحول، أو الكوكايين، أو الأمفيتامينات (بالإنجليزية: Amphetamines)، وغيرها من المواد المخدرة أو المهدئة أن يُحدث اضطرابات في مزاج الفرد، قد تصل به إلى حد الإصابة بالاكتئاب.[٦]
- مشاكل صحية أخرى: يمكن لبعض أنواع العدوى أن تؤثر في سلوك ومزاج الفرد أيضاً مثل: داء لايم (*) (بالإنجليزية: Lyme Disease)، وبعض الأمراض الالتهابية مثل: الذئبة الحمامية الشاملة (*) (بالإنجليزية: Systemic lupus erythematosus)، بالإضافة لبعض اضطرابات النوم مثل: انقطاع النفس النومي (بالإنجليزية: Obstructive sleep apnea).[٦]
الهوامش:
(*) مرض أديسون: يُطلق مصطلح داء أديسون على إحدى حالات قصور الغدة الكظرية التي تتمثل بانخفاض إنتاجها لهرمون الكورتيزول والألدوستيرون كذلك.[١٢]
(*) متلازمة كوشينغ: تُعبّر هذه المتلازمة عن الحالة التي يُنتج فيها الجسم كميات كبيرة من هرمون الكورتيزول ولفترة طويلة من الزمن.[١٣]
(*) داء لايم: وهو عدوى بكتيرية تصل إلى الإنسان عن ريق لدغة حشرة القراد، فتُسبب الطفح الجلديّ، والحُمّى، والصداع، والشعور بالإعياء والتعب.[١٤]
(*) الذئبة الحمامية الشاملة: وهي أحد أنواع أمراض المناعة الذاتية التي يُهاجم فيها الجهاز المناعي أنسجة الجسم السليمة عن طريق الخطأ، وقد تتأثر بهذا المرض المفاصل، والكلى، والدماغ، والجلد وغير ذلك من الأعضاء.[١٥]
المراجع
^أبMarkus MacGill (30/11/2017),”What is depression and what can I do about it?”،www.medicalnewstoday.com, Retrieved 26/9/2019. Edited.
^أبت”Depression (major depressive disorder)”,www.mayoclinic.org, Retrieved 19-1-2019. Edited.
^أب”Depression Diagnosis”,www.webmd.com, Retrieved 19-1-2019. Edited.
^أبتثJeffrey M Lyness (16/9/2019),”Unipolar depression in adults: Assessment and diagnosis”،www.uptodate.com, Retrieved 26/9/2019. Edited.
↑Jerry L Halverson (29-8-2018),”Depression Clinical Presentation”،emedicine.medscape.com, Retrieved 20-1-2019. Edited.
^أبتث”Depression Differential Diagnoses”,emedicine.medscape.com, Retrieved 1-11-2019. Edited.
↑Jeffrey M Lyness (16/9/2019),”Unipolar depression in adults: Assessment and diagnosis”،www.uptodate.com, Retrieved 24/10/2019. Edited.
↑Joseph Goldberg (7/11/2017),”Bipolar Disorder”،www.webmd.com, Retrieved 24/10/2019. Edited.
↑Margarita Tartakovsky (8/7/2018),”The Many Conditions that Mimic Depression”،psychcentral.com, Retrieved 30/9/2019. Edited.
↑”Central Nervous System Disease”,www.neuromodulation.com, Retrieved 1-11-2019. Edited.
↑Nancy Schimelpfening (8/9/2019),”10 Drugs That Can Cause Depression”،www.verywellmind.com, Retrieved 28/9/2019. Edited.
↑”Addison’s disease”,www.mayoclinic.org, Retrieved 28/9/2019. Edited.
↑”Cushing’s Syndrome”,www.niddk.nih.gov, Retrieved 28/9/2019. Edited.
↑”Lyme disease”,www.cdc.gov, Retrieved 28/9/2019. Edited.
↑”Systemic lupus erythematosus”,medlineplus.gov, Retrieved 28/9/2019. Edited.