فنون الكلمة في التصوف الإسلامي

التصوف: جوهر الفكر ورسالته

يُعرف التصوف بأنه توجه إسلاميٌّ يركز على تطبيق الفرائض والأوامر الإلهية والنبوية، واتباع السنة المطهرة. إنه تجسيدٌ للإيثار والتضحية بالشهوات الدنيوية، واختيار ما يبقى على ما يفنى. فهو نزوعٌ فطريٌّ نحو الكمال الإنساني، والتسامي الروحي والمعرفيّ، من خلال الكشف أو العلم اليقيني. [١]

الشعر الصوفي: لغة القلب والروح

استخدم المتصوفة الأدب، وخاصة الشعر، وسيلة للتعبير عن تجاربهم الروحية وأفكارهم العميقة. كان الشعر مرآةً تعكس مشاعرهم ومراحل تطورهم في سُلّم الكمال الروحي، بدءًا من العصر العباسي. أنتج الأدب الصوفي نتاجًا غزيرًا، متميزًا بأسلوبه الجديد الذي تجاوز أساليب أدب الزهد. [٢] برزت قصائد الغزل الإلهي، وقصائد المناجاة والتبتل، كأبرز ما قدمه المتصوفة. اعتمدوا على الرمزية كأسلوبٍ للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم الفلسفية. [٣] تُعدّ رابعة العدوية من أوائل الشعراء الصوفيين، وقدمت نماذج رائعة في الغزل الإلهي. ومن أبياتها الشهيرة:

أحـبّك حبّين حب الهوى
وحب لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حبّ الهوى
فشغلي بذكرك عمّن سواك
وأما الذي أنت أهل له
فلست أرى الكون حتى أراك [٥]
تُظهر هذه الأبيات عمق الحب الصوفي ونقائه لله سبحانه وتعالى، وارتقاء الروح البشرية من حب المخلوق إلى حب الخالق. وتُشير ضمناً إلى فلسفةٍ تصوفيةٍ جوهرية: أنّ العبادة مبنية على الحبّ، لا الخوف أو الطمع، وأنّ الله سبحانه وتعالى يستحق هذا الحبّ الجزيل. وهذه الفلسفة تقوم على مفهوم الإحسان: عبادة الله كأنك تراه، فإن لم تره فهو يراك. [٤]

فنون النثر الصوفي: تنوع الأساليب وأثرها

لم يقتصر التعبير الأدبيّ لدى المتصوفة على الشعر فقط، بل امتدّ إلى النثر. وقد خلفوا لنا تراثًا نثريًا غنيًا، مثل مرثية ابن السماك لداود بن نصر الطائي، التي تعدّ نموذجًا بارزًا في فنّ الرثاء. [٦] ركزّ ابن السماك في مرثيته على مناقب داود الطائي وزهده في الدنيا، متجاهلًا صفاته الجسدية أو مظهره الخارجي، وركزّ على زهده وتصوفه ونزاهة نفسه. [٧] اشتهر المتصوفة أيضًا بفنّ رسائل الوصايا، حيث عبروا عن أفكارهم من خلال التحليل والتعليل. ومن أبرز الأمثلة على ذلك وصايا ذي النون المصري، ووصايا محيي الدين بن عربي. [٧]

المراجع

1. عبد المنعم الخفاجي، الأدب في التراث الصوفي، صفحة 33. بتصرّف.
2. شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 474. بتصرّف.
3. عبد المنعم الخفاجي، الأدب في التراث الصوفي، صفحة 66-67. بتصرّف.
4. عبد المنعم الخفاجي، الأدب في التراث الصوفي، صفحة 167. بتصرّف.
5. “أحبك حبين حب الهوى”، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 21/1/2022.
6. عبد المنعم الخفاجي، الأدب في التراث الصوفي، صفحة 104. بتصرّف.
7. عبد المنعم الخفاجي، الأدب في التراث الصوفي، صفحة 104-106. بتصرّف.