محتويات
التقديم والتأخير بين المبتدأ والخبر |
---|
فنون تقديم الفاعل والمفعول به |
تقديم الحال وتأخير عامله |
التقديم والتأخير في جمل كان وأخواتها |
التقديم والتأخير بين المبتدأ والخبر: دراسة تطبيقية
في بناء الجملة العربية، يُعدُّ تقديم الخبر على المبتدأ من الأساليب البلاغية الجميلة. فقد يأتي ذلك لخلق أثر فنيٍّ أو لخدمة غرضٍ بيانيٍّ محدد. ففي قول الشاعر:
“الذي حارت البرية فيه ::: حيوان مستحدث من جمدة”
يُلاحظ تقديم المبتدأ “الذي” لإثارة فضول السامع، وتأجيل الخبر “حيوان” ليأتي بمثابة مفاجأة أو إجابة على سؤال ضمنيّ. و في بيت شعر آخر:
“أهابكِ إجلالاً وما بكِ قدرةٌ عليَّ
ولكن ملء عينٍ حبيبها”
يقدم الشاعر الخبر “ملء عينٍ حبيبها” بسبب وجود ضمير متصل في المبتدأ “حبيبها”، مما يسهل الفهم ويُبرز جمال الجملة.
فنون تقديم الفاعل والمفعول به: أمثلة من القرآن الكريم
القاعدة النحوية تقضي بتقديم الفاعل على المفعول به، ولكن قد يُقدم المفعول به لأسباب بلاغية، كالتوكيد أو لفت الانتباه. ففي قوله تعالى:
“فأما اليتيم فلا تقهر”
(سورة الضحى، آية 9)
يُقدم المفعول به “اليتيم” ليبرز أهمية حماية اليتيم، وهذا التقديم وجوبيّ هنا. وفي آية أخرى:
“إياك نعبد وإياك نستعين”
(سورة الفاتحة، آية 5)
يُلاحظ تقديم المفعول به “إياك” للتوكيد على التوجه الخالص لله سبحانه وتعالى.
تقديم الحال: أسلوب بلاغيّ مُتقن
عادةً ما تأتي الحال بعد اسمها وفاعلها، إلا أن تقديمها جائزٌ لأغراضٍ بلاغية. ففي قوله تعالى:
“خشعًا أبصارهم يخرجون من الأجداث”
(سورة القمر، آية 7)
يُقدم الحال “خشعًا” للتعبير عن حال الأبصار بطريقة مؤثرة، مُضفياً على الآية قوة تعبيرية.
التقديم والتأخير في جمل “كان” وأخواتها
يُفضل تقديم اسم “كان” وأخواتها على خبرها، إلا أن تقديم الخبر جائزٌ كما هو الحال في قوله تعالى:
“وكان حقًا علينا نصر المؤمنين”
(سورة الروم، آية 47)
هنا، يُقدم خبر “كان” “حقًا” لإبراز أهمية نصرة المؤمنين. وكذلك في قوله تعالى:
“ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب”
(سورة البقرة، آية 176)
يُقدم خبر “ليس” “البر” للتأكيد على أن البر ليس مجرد اتجاه الوجه.
ختامًا، يظهر من خلال الأمثلة السابقة أن التقديم والتأخير في اللغة العربية ليس مجرد قواعد نحوية جامدة، بل هو فنٌّ بلاغيٌّ يُضفي على الكلام رونقاً وجمالاً، يُستخدم لخدمة أغراضٍ بيانيةٍ متنوعة.