فهرس المحتويات
ماهية الإطناب وخصائصه
يُعدّ الإطناب أحد فروع علم المعاني، وهو فنٌّ بلاغيٌّ يُعنى بتحليل زيادة الألفاظ في الجملة العربية دون زيادة في المعنى الأصلي. فهو خروجٌ عن التركيب النحويّ اللغويّ للجملة، لكنّه ليس خروجًا عشوائيًا، بل لغايةٍ بلاغيةٍ محددة تهدف إلى التأثير في المتلقي. يظهر أثر الإطناب بمقارنة الجملة المُطنبة بنظيرتها المختصرة، فالتغيير في الأسلوب يُحدث فرقاً واضحاً في المعنى والتأثير.
يُشتقّ الإطناب من الفعل “أطنب”، وهو يعني الإسهاب في الكلام وإطالته. فمثلاً نقول “أطنبت الريح” إذا اشتدّ غبارها. أما اصطلاحاً، فيُعرّف الإطناب بأنه زيادة اللفظ على المعنى بهدف تحقيق فائدة بلاغية، كتقوية المعنى وتوكيده وإضافة بُعد جديد له. وهذا يعني أن الشرط الأساسيّ في الإطناب هو إضافة معنى جديد أو توضيح معنى قائم.
استعراض أنماط الإطناب
يتنوع الإطناب في استخداماته البلاغية، ونذكر من أهمّ أنماطه ما يلي:
ذكر الخاص بعد العام
في هذا النمط، يُذكر المعنى العامّ الأشمل، ثمّ يُتبعه ذكر الخاصّ من جوانبه. الغاية من هذا الترتيب هي إبراز أهمية الخاصّ وتفصيل جوانبه، مما يُبرز تفاصيله ويُميّزه عن العامّ. مثال على ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَامَن يُفْسِدُ فِيهَاوَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30]. هنا، يُذكر الفساد بشكل عام، ثم يُفصّل بذكر سفك الدم كخاصّية من الفساد، لتأكيد حرمته الشديدة.
ذكر العام بعد الخاص
يتمثل هذا النوع في ذكر جزءٍ من الكل، ثمّ ذكر الكلّ نفسه. الغرض منه هو التنبيه على شمولية الخاصّ ضمن العامّ. مثالٌ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ [مريم: 41]. فالصِّدق يُذكر كخاصية، ثمّ تُذكر النبوة كعامّ يشمل الصِّدق وصفاتٍ أخرى حسنة.
التوضيح بعد الإبهام
وهو عرضُ المعنى مرتين: الأولى مبهمة، والثانية موضحة ومفسّرة للأولى. مثال: ﴿وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [هود: 36]. يُذكر الوحي بشكل مُجمل، ثم يُفصّل بقوله: ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ﴾.
التكرار للتأكيد
يُستخدم التكرار لتوكيد المعنى وترسيخه في الذهن. مثال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]. تُكرّر عبارة “ما في” لتأكيد المعنى.
الاحتراس
يُستخدم الاحتراس لإزالة أيّ غموض أو إيحاء بمعنى مختلف عن المقصود. مثال: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [القصص: 32]. عبارة “من غير سوء” تُزيل أيّ إيحاء بمعانٍ أخرى كالبرص مثلاً.
الإيغال
وهو إضافة كلمات زائدة في نهاية الكلام، غالباً لإتمام القافية الشعرية أو لإضافة بُعد بلاغيّ. مثال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِمْ مِّسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]. كلمات “مسكيناً ويتيماً وأسيراً” تُضيف معنى إلى البيت الشعريّ.
الاعتراض
هو إدخال جملةٍ لا تُعرب في وسط الكلام، لإضافة معنى جديد كالتنزيه أو التعظيم أو التوضيح. مثال: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 32]. جملة “سبحانك” جملة معترضة للتنزيه والإعجاب.
التذييل
هو إضافة جملةٍ في نهاية الكلام للتأكيد أو التوضيح. مثال: “حُكم على المتهم بالحبس لمدة سنة، وفي المحكمة يُقام العدل”. جملة “في المحكمة يُقام العدل” تذييل يُؤكد عدالة الحكم.
أمثلة متنوعة للتوضيح
إطناب التكرار: قوله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ [البقرة: 157]. تكرار “هم” لتأكيد المعنى.
إطناب العام بعد الخاص: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 41]. ذكر الخاص “لي ولوالدي” ثم العام “المؤمنين”.
إطناب الخاص بعد العام: قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ [القدر: 4]. ذكر الملائكة عموماً ثمّ جبريل عليه السلام.
إطناب الاعتراض: قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۖ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: 57]. “سبحانه” جملة معترضة للتنزيه.
إطناب التذييل: “حُكم على المتهم بالحبس لمدة سنة، وفي المحكمة يُقام العدل”.
إطناب الاحتراس: قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗوَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: 1].
إطناب الإيضاح بعد الإبهام: قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ [الحجر: 66].
خاتمة
يُظهر هذا العرض تنوّع أنماط الإطناب في اللغة العربية، وكيف يُستخدم لتحقيق أهداف بلاغية متعددة، من التأكيد والتوضيح إلى التعظيم والإيحاء. إنّ فهم هذه الأنماط يُسهم في التفقه في جماليات اللغة العربية وإدراك عمق تأثيرها البلاغي.