المحتويات | |
---|---|
حكمة سورة لقمان | |
أساليب التوجيه الإلهي | |
البلاغة والتربية في أساليب التوجيه |
حكمة سورة لقمان: نزولها وقصتها
تُعد سورة لقمان من سور القرآن الكريم المكية، وتتكون من أربع وثلاثين آية. نزلت بعد سورة الصافات، وسميت بهذا الاسم نسبةً إلى الحكيم لقمان وحكمته مع ابنه، كما ورد في نصوصها. يتمثل لقمان في شخصية حكيمة صالحة، كان يُرشد ابنه ويُوصيه بأخلاق كريمة. تتناول السورة في آياتها الأولى صفات المؤمنين في تقربهم إلى الله، وفي آيات أخرى تحذر من عقوبة الاستهزاء بالقرآن الكريم، وتشمل وصايا لقمان لابنه التي تُعدّ إرشادات إلهية للمسلمين.
أساليب التوجيه الإلهي في سورة لقمان
تبرز سورة لقمان براعة الله تعالى في التوجيه والإرشاد. تتضمن آياتها الكريمة أمثلة رائعة على فنون التوجيه، من خلال أسلوب الأمر والنهي، كما يأتي في هذه الآيات:
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ* وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ *وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )سورة لقمان {12 – 19}.
تُلاحظ في هذه الآيات استخدام أوامر إلهية واضحة ومباشرة، كأمر لقمان بالشكر لله، والنهي عن الشرك، وأمر ببر الوالدين، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على المصائب. كما تستخدم أساليب نهي لتجنب السلوكيات السيئة.
البلاغة والتربية في أساليب التوجيه
يظهر في هذه الآيات بلاغة القرآن الكريم في استخدام أسلوب الأمر والنهي. فالأمر ليس مجرد تعليمات، بل هو دعوة للتقرب إلى الله، والنهي ليس مجرد منع، بل هو حماية للنفس من الضلال. تُعزز هذه الآيات القيم الأخلاقية والروحية العالية لدى المسلم، وتُرشده إلى النهج الصحيح في حياته.
إنّ استخدام أسلوب الأمر في سورة لقمان ليس مُقتصراً على وصايا لقمان لابنه، بل يظهر أيضاً في آيات أخرى تُوجّه جميع الناس إلى تقوى الله ومخافة يوم الدين، كما في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
تُبرز هذه الآيات الحكمة الإلهية في التوجيه والإرشاد، فهي لا تُفرض قسراً، بل تُقنع بأسلوب جميل ومؤثر يتناسب مع فطرة الإنسان.