مقدمة
كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يرى في عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شخصية فريدة من نوعها لما يتمتع به من صفات مميزة. دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدر عمر للإسلام وأن يجعل في إسلامه قوة وعزة للمسلمين. وقد تحقق ذلك بالفعل، حيث أعلن عمر إسلامه جهارًا بعد أن كان من أشد معارضي الدعوة الإسلامية. سجلت السيرة النبوية مواقف عظيمة لعمر، مليئة بالتضحية والعزة، حيث كان دائمًا نصيرًا للحق ورسالة التوحيد. يزخر التاريخ الإسلامي بمواقفه العظيمة وسيرته الملهمة، فهو أحد أبرز الشخصيات الإسلامية. تولى الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق، وكان خير خلف لخير سلف. شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- في مواقف عديدة بالحكمة والفراسة وسداد الرأي. تميزت فترة خلافته بالإلهام وقوة اتخاذ القرارات الصائبة والشجاعة في مواجهة الباطل. فما هي أبرز المواقف التي تجسدت فيها حكمة عمر ورؤيته الثاقبة؟
إلهام عمر بن الخطاب
لقد وهب الله عز وجل عمر بن الخطاب فطنة استثنائية، مما جعله رجلاً مُلهَماً، وقد أُخبر بذلك رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-. ممّا يؤكد ذلك نزول آيات قرآنية تتفق مع رأيه في مسائل عدة، ومنها رأيه في أسرى بدر، وكذلك رأيه في اتخاذ مقام إبراهيم -عليه السلام- مصلى.
تعددت المواقف التي شهدت له بسداد الرأي والفطنة، ومنها:
سدّد الله رأي عمر -رضي الله عنه- في مواقف تجلّت فيها فطنته، ومن ذلك أنه أشار على النبي -عليه السلام- بفرض حجاب على زوجاته أمهات المؤمنين؛ لأن الصحابة كانوا يدخلون بيوت النبي ويسألونه في مسائل مختلفة؛ فأنزل الله القرآن يأمرهن بالحجاب.
وكان يرى عدم الصلاة على موتى المنافقين، فلما مات عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين قام النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلى عليه، فقال عمر: يا رسول الله، تصلّي عليه وهو منافق؛ فأنزل الله -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ).
أخذ أبو بكر الصديق برأي عمر -رضي الله عنهما- الحكيم في جمع القرآن الكريم، حيث أشار عمر على أبي بكر بجمع المصحف في مكان واحد، حفاظاً عليه بعد استشهاد عدد من كتبة الوحي في معركة اليمامة.
عندما قدم عمر إلى بيت المقدس بعد فتحها في خلافته، زار كنيسة القيامة في القدس وجلس في منتصفها، وأعطى النصارى عهد الأمان. وعندما حان وقت الصلاة، خرج من الكنيسة وأدى الصلاة بمفرده، خشية أن يتخذ المسلمون من بعده كنيسة القيامة مسجداً، فيكونوا بذلك قد اعتدوا على حق النصارى في حرية العبادة في كنائسهم، ونقضوا عهده إليهم.
كان عمر -رضي الله عنه- يخشى على عقيدة الناس من أن تمسها بدعة أو تدخلها ضلالة، أو تصيبها شائبة شرك ولو دون قصد، فلما بلغه أن الناس يقصدون الشجرة التي بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- تحتها المسلمون بيعة الرضوان أمر بقطعها، لئلا يتخذها الناس معبداً.
تجلت حكمة عمر بوضوح في العام السابع عشر للهجرة عندما خرج ومعه جمع كبير من المسلمين للحاق بجند المسلمين في فتوحات الشام، وعند وصوله وادي تبوك شمالاً، أُخبر أن الطاعون قد انتشر في بلاد الشام، وأصاب كثيرًا من الناس؛ فاستشار أصحابه، وكانت فطنته سببًا في الحفاظ على أرواح المسلمين، حيث قرر العودة بمن معه من المسلمين إلى المدينة المنورة حتى يأذن الله بالفرج، وقال يومها قولته المشهورة لأبي عبيدة عامر بن الجراح: (نَفِرُّ من قدَرِ اللهِ إلى قدَرِ اللهِ، أرأَيتَ لو كان لك إبِلٌ هبطَتْ وادِيًا له عُدْوَتانِ، إحداهما خِصبَةٌ، والأخرى جَدبَةٌ، أليس إن رَعَيتَ الخِصبَةَ رَعَيتَها بقدَرِ اللهِ، وإن رَعَيتَ الجَدبَةَ رَعَيتَها بقدَرِ اللهِ ؟).
لمحة عن حياة الخليفة عمر بن الخطاب
تميز أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بصفات عديدة، جعلت منه شخصية ذات تأثير كبير في تاريخ المسلمين الأوائل، ومن أبرز هذه الصفات:
- نسبه ومولده: هو عمر بن الخطاب العدوي القرشي، من أشراف قريش، وكنيته أبو حفص، ولد بعد ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث عشرة سنة.
- صفاته الشكلية: كان عمر -رضي الله عنه- طويل القامة، أصلع الرأس، شديد حمرة الوجه، وعرف بهيبته.
- صفاته الأخلاقية: اتصف عمر بالشدة في الحق، وعرف برجاحة عقله وسداد رأيه، وكان حكيماً فطناً، لا يجادل في ذلك أحد ممن عرفه، كما كان صاحب غيرة في نصرة المظلومين ونشر العدل بين الناس.
- أهم مواقفه: أسلم عمر في المرحلة المكية، وشهد بيعة الرضوان، وعرف بلقب الفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل بلا هوادة، وهو أحد الذين بشرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وكان من أوائل المهاجرين إلى المدينة المنورة، كما اتخذه أبو بكر الصديق وزيراً في خلافته، ثم تولى خلافة المسلمين بعده، وكان أول من لقب بأمير المؤمنين.
- أهم إنجازاته في الخلافة: يعد تدوين الدواوين، ومنح العطايا حسب الأسبقية في الفضل، والبدء بالتقويم الهجري من أهم أعماله الكثيرة في زمن خلافته.
شهد عمر مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كل الغزوات والوقائع، والتاريخ يشهد أن خلافته كانت فتحاً على عامة المسلمين، فقد اتسعت الفتوحات الإسلامية، ودخلت بلاد كثيرة في ظل دولة الإسلام، وفي عهده المبارك أكرم الله -عز وجل- المسلمين بانهيار دولتي فارس والروم.
المصادر
- أبأمين الشقاوي (26-11-2014م)،”مقتطفات من سيرة عمر بن الخطاب”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-4-2018م. بتصرّف.
- “فقه عمر بن الخطاب”،www.islamway.net، 1-4-2015، اطّلع عليه بتاريخ 24-4-2018. بتصرّف.
- الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشثري (21-4-2011)،”الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (1)”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-4-2018. بتصرّف.
- محمد رضا (1939)،الفاروق عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، مصر: المطبعة المحمودية في الأزهر، صفحة 208. بتصرّف.
- محمد رضا،تاريخ وسيرة ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، مصر: المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر، صفحة 30. بتصرّف.
- محمد رضا،تاريخ وسيرة ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، مصر: المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر، صفحة 185-186. بتصرّف.
- عبد العزيز الشثري (21-4-2011م)،”الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (1)”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-8-2018. بتصرّف.