فضيلة إحياء النفوس: نظرة في أهمية جبر الخواطر

استكشاف لفضيلة جبر الخواطر في الإسلام، وأهميتها في بناء مجتمع متراحم. يتضمن أمثلة من القرآن والسنة، وكيفية تطبيقها في حياتنا اليومية.

فهرس المحتويات

مقدمة حول أهمية جبر الخواطر

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فإن من أعظم الأخلاق التي حث عليها ديننا الحنيف، ومن أنبل الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه، هي صفة جبر الخواطر. إنها علامة على نقاء القلب، وسمو الروح، وتقدير الآخرين. عندما يحرص المسلم على مداواة القلوب المجروحة، وإسعاد النفوس الحزينة، فإنه يترك بصمة طيبة في الحياة، ويعكس صورة مشرقة عن الإسلام.

القسم الأول: مفهوم إحياء النفوس في الإسلام

أيها الإخوة والأخوات، إن الحديث عن إحياء النفوس هو حديث عن خلق عظيم، يتجلى في اسم من أسماء الله الحسنى، وهو “الجبار”. هذا الاسم يبعث الطمأنينة في القلوب، ويشعرنا بعظمة الله وقدرته. فهو سبحانه الذي يجبر كسر عباده، ويعوضهم عن كل ما فقدوه. فلنتأمل في آيات القرآن الكريم، لنتعرف على أهمية هذا الخلق الرفيع:

قال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. فكان الوحي الإلهي بلسمًا لقلب يوسف عليه السلام، بعد الظلم الذي تعرض له من إخوته. إن المظلوم يحتاج دائمًا إلى من يواسيه ويخفف عنه، وهذا ما شرعه لنا الإسلام.

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. لقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، أحب البقاع إليه، مرغمًا. فكانت هذه الآية بمثابة بشرى له، بأن الله سيرده إلى مكة منتصرًا، وهذا ما تحقق بالفعل.

وقال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}. إنها آية تحمل في طياتها وعدًا إلهيًا، بأن الله سيعطي كل من لجأ إليه بصدق، حتى يرضى. وهذا يعطينا الأمل في أن الله لن يخذلنا أبدًا.

لقد جبر الله تعالى خواطر الكثير من الأنبياء والمرسلين. فعندما غرق ابن نوح في الطوفان، وحزن نوح عليه، قال الله له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}. وجبر خاطر إبراهيم عليه السلام، فقال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}. وجبر خاطر موسى عليه السلام، فقال: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}. وهكذا جبر خواطرهم ليثبتهم على الحق.

إن إحياء النفوس هو واجب على كل مسلم. فديننا الحنيف مليء بالنماذج التي تحث على ذلك. فمن السنة تعزية أهل الميت، ومواساتهم، وتخفيف مصابهم. وعند مشاهدة الفقراء والمساكين، ينبغي تخصيص جزء من المال لهم، حتى لا يشعروا بالحرمان. قال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}. وفي قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}، نهى الله عن إهانة اليتيم والسائل، وأمر بالإحسان إليهما.

لقد عاتب الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، عندما أعرض عن ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى جاء يسأله. كان النبي مشغولًا بدعوة بعض كفار قريش، فأنزل الله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}. وبعد نزول هذا العتاب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ابن أم مكتوم، مد له رداءه، وقال له: “مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي”. وكان يكرمه ويستشيره في أمور المسلمين.

القسم الثاني: تجليات الرحمة في التعاملات اليومية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. إخوة الإسلام، إن من أعظم القربات إلى الله، هو إحياء نفس أخيك المسلم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو دائمًا بالجبر. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفِرْ لي وارحَمني، واهْدِني واجْبُرْني وارزُقْني).

لا شك أن كل واحد منا يتذكر شخصًا قام بإحياء نفسه، ولو بكلمة طيبة. هذه المواقف لا تنسى أبدًا. فالكلمة الطيبة صدقة، والابتسامة في وجه أخيك المسلم صدقة. لقد تذكر النبي صلى الله عليه وسلم موقف المطعم بن عدي، عندما أدخله في جواره بعد عودته من الطائف حزينًا، فقال يوم أسر أسرى بدر: (لو كان المطعم بن عدي حيًّا، وكلَّمني في هؤلاء النَّتْنَى، لأجبتُه فيهم).

اللهم ثبتنا على هذا الدين، واهدنا صراطك المستقيم. اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل. اللهم آمين.

المصادر والمراجع

  • الألوكة، “فضيلة إحياء النفوس”.
  • إسلام أون لاين، “تأملات في خلق الرحمة”.
  • طريق الإسلام، “أثر الكلمة الطيبة في المجتمع”.
Total
0
Shares
المقال السابق

ملامح المؤمنين: نظرة في خصالهم الحميدة

المقال التالي

مقال عن جزاء التعامل بالربا

مقالات مشابهة