الرأي الفقهي في إكمال القرآن في صلاة القيام
دأب المسلمون على مر العصور، وحتى يومنا هذا، على الإسراع في إتمام قراءة القرآن الكريم خلال شهر رمضان المبارك. وقد قام علماء الفقه بتفصيل آرائهم حول هذه المسألة، وفيما يلي عرض لهذه الآراء:
- المالكية: يرى الإمام مالك أن إكمال القرآن في صلاة القيام ليس من السنة النبوية، ولذا فإنه لا يعتبر سنة. ويرى ربيعة أنه يجوز للإمام أن يصلي بسورة واحدة طوال شهر رمضان. ولم يعتبر مالك إكمال القرآن في القيام سنة، إلا أنه لم يصرح بأنه بدعة.[1]
- الحنفية: ذهبوا إلى أن السنة في القراءة في صلاة التراويح في رمضان هي إكمال القرآن مرة واحدة.[2]
- الشافعية: يرون أن إكمال القرآن في صلاة القيام أفضل من إكماله بقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات في الركعة الواحدة.[3]
- الحنابلة: يرى الإمام أحمد أنه يجوز للمصلي أن يكمل القرآن في صلاة التراويح في رمضان، وأن يدعو بعد إكماله في الصلاة قبل الركوع.[4]
الأجر والثواب المترتب على إكمال القرآن في رمضان
تلاوة القرآن الكريم لها مكانة عظيمة في ميزان الحسنات، واهتمام المسلم بتلاوته في أوقات الخير، واستغلال الأوقات والأماكن الفاضلة يعتبر من الأعمال المستحبة. وبذلك يتبع خطوات الصالحين في تعظيم القرآن وحرصهم على تلاوته في رمضان وفي غيره.[5]
وقد ورد في وصف المؤمن الذي اعتاد على إكمال القرآن والبدء به من جديد بعد كل إكمال بأنه كالحال المرتحل الذي يبدأ بأوله مع انتهاء آخره.[6] ومن الجدير بالمسلم أن يستغل فرصة إكماله للقرآن الكريم، وأن يدعو الله سبحانه وتعالى؛ إذ يرجى استجابة الدعاء بعد الانتهاء من إكمال القرآن.[7]
ويعلم المسلم أنه قد نال شفاعتين بإكماله للقرآن في شهر رمضان؛ شفاعة القرآن بالصلاة فيه، وشفاعة الصيام.[8] وهما كالجهادين؛ جهاده بالقيام وتلاوة القرآن وصبره على ذلك، وجهاده بالصيام؛ وذلك لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ، يقولُ الصيامُ: أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه، فيَشْفَعانِ”.[9]
فالصيام يمنع العبد من اقتراف المعاصي كما يمنعه من الأكل والشرب وغيرها من الشهوات، أما القرآن فيمنع العبد من النوم ليلاً؛ لاجتهاده في قراءته، والقيام به.[10]
الأخلاق المستحبة عند إكمال القرآن في رمضان وفي غيره
يُستحب إكمال القرآن في أوقات معينة؛ سواء في رمضان أو في غيره؛ إذ يستحب أن يكون في الصلاة حال إكمال القارئ وحده؛ بأن يكون في ركعتي الفجر وسنة الفجر، وفي سنة المغرب، وقيل باستحباب أن تكون الختمة في أول النهار مرة، وفي أول الليل مرة، وإن كانوا جماعة يختمون القرآن معاً، فإنهم يختمون في غير الصلاة والجماعة، ويستحب أن تكون الختمة في أول النهار، أو في أول الليل، في حين يرى بعض العلماء أن الختمة في أول النهار أفضل.[11]
وإن أكمل أحدهم القرآن، أو أتمه جماعة، فإنه يستحب للمسلم أن يحرص على حضور الختمة؛ ليحضر الدعاء.[12] ويستحب للمسلم أن يصوم يوم إكماله للقرآن؛ إذ يرى السلف أن اجتماع الصيام مع إكمال القرآن أقرب إلى استجابة الدعاء.[13]
والدعاء عقب إكمال القرآن مستحب استحباباً مؤكداً، فيدعو للمسلمين والمسلمات، ويدعو لنفسه بالصلاح، والتقوى، والعفة، وغيرها من أبواب الخير؛[14] فيبدأ دعاءه بالثناء على الله -سبحانه وتعالى-، ثم يدعو بالأدعية المتعلقة بفضل القرآن وأهله، ثم يختار من الأدعية الجامعة ما يناسب حاله، والأمر في ذلك واسع، وعلى الداعي أن يبتعد عن التقيد بأدعية معينة لاعتقاده بأنها أدعية شرعية راتبة، كأدعية الأذكار.[15]
وإن استطاع عند إكمال القرآن أن يجمع أهله ويدعو وهم يؤمنون وراءه، ففي ذلك فضل استحبه الفقهاء؛ إذ كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يجمع أهله ويدعو لهم كلما فرغ من إكمال القرآن.[15]