فضل بر الوالدين وأثر الإحسان إليهما

مقدمة في أهمية الوالدين

إن الوالدين هما أساس وجودنا في هذه الحياة، وهما من يستحقان منا كل تقدير واحترام وعرفان. لقد بذلا الغالي والنفيس من أجل تربيتنا ورعايتنا، وتوفير سبل العيش الكريم لنا. لذلك، فإنّ بر الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الطاعات والقربات إلى الله تعالى.

منزلة الوالدين في الشريعة

لقد عظّم الإسلام من شأن الوالدين، وجعل الإحسان إليهما من أوجب الواجبات بعد عبادة الله مباشرة. وقد جاءت النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية المطهرة لتؤكد على هذه الأهمية العظيمة. فلقد قرن الله تعالى حقه بحق الوالدين في العديد من الآيات، ومن ذلك قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). كما أمرنا الله تعالى بشكرهما بعد شكره، فقال: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

وفي السنة النبوية، نجد العديد من الأحاديث التي تحث على بر الوالدين وتبين فضله العظيم. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنّه سأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، عن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، فأجاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: (الصَّلاةُ على وقتِها قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ ثمَّ برُّ الوالدينِ، قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثمَّ الجهادُ في سبيلِ اللهِ). وهذا الحديث يدل على عظم منزلة بر الوالدين وأنه يأتي بعد الصلاة في الأهمية.

كما أن الشريعة الإسلامية تحرم الإساءة إلى الوالدين أو إيذائهما بأي شكل من الأشكال، وتوجب على الأبناء قضاء حاجاتهما والقيام بها دون تذمر أو استياء. وحتى قسوة الوالدين لا تبرر عقوقهما، بل يجب على الأبناء البر بهما حتى وإن كانا غير مسلمين، ما لم يأمرا بمعصية الله. قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا).

ما هو الإعراض عن الوالدين؟

إن الإعراض عن الوالدين من كبائر الذنوب والمعاصي، ويعني مخالفة أوامرهما أو فعل ما يكرهانه من الأقوال أو الأفعال. وقد نهى الله تعالى عن ذلك، خاصة في الحالات التي يكون الوالدان في أمس الحاجة إلى أبنائهما. قال تعالى: (إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا* وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا). فالواجب على الأبناء عدم التضجر والتأفف عند رعاية الوالدين، وردّ الأذى عنهما، والإحسان إليهما ولين الكلام معهما، وعدم الامتناع عن الأوامر التي يطلبانها، أو يفضلونها من أبنائهم.

التقصير في حق الوالدين هو كل سلوك أو تصرف يصدر من الابن أو الابنة تجاه والديهما، ويتسبب في إيذائهما أو إزعاجهما أو التقليل من شأنهما. وهو يشمل الإهمال وعدم الاهتمام، والتجاهل والتكبر، والسب والشتم، والعصيان والتمرد، وغيرها من التصرفات التي تدل على عدم الاحترام والتقدير.

عواقب التقصير في حق الوالدين

إن الإعراض عن الوالدين من الأسباب التي تؤدي إلى غضب الله تعالى، واكتساب السيئات، فضلاً عن العقوبة التي ينالها العاق في الدنيا والآخرة. فالعاق لوالديه لا يوفق في حياته، ويعيش في هم وغم وضيق في الرزق، ويفقد دينه ودنياه، ولا يكون له قبول بين الناس. وقد يسلك طرقاً بعيدة عن رضا الله، ويخسر دعاء والديه، وتغلق أبواب الدنيا في وجهه، ولا تتيسر أموره. لذلك، يجب الحذر من الإعراض عن الوالدين وتجنب كل ما يغضبهما.

صور من التقصير في حق الوالدين

يأخذ التقصير في حق الوالدين صورًا متعددة، منها:

  • عدم الوفاء بقسم الوالدين أو أحدهما، إذا لم يكن فيه معصية لله، وكان الابن قادراً على ذلك.
  • عدم طاعة الوالدين في الأمور المباحة، مع القدرة والاستطاعة.
  • عدم إجابة أسئلة الوالدين، أو أحدهما، إذا لم يكن فيها معصية لله، مع قدرة الابن على ذلك.
  • خيانة أمانة الوالدين أو أحدهما، إذا ائتمنهما على أمر من الأمور.
  • الغياب الطويل عن الوالدين، أو عن الحي منهما، دون عذر شرعي مقبول.
  • سب أو شتم الوالدين أو أحدهما، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
  • طاعة الوالدين مع التذمر والعبوس وتقطيب الوجه.
  • الاستثقال من أوامر الوالدين، مع التأفف والتضجر.
  • البخل على الوالدين، وعدم الإنفاق عليهما عند الحاجة.
  • عدم احترام وتوقير وتقدير الوالدين، مثل المشي أمامهما والجلوس قبلهما.
  • الامتناع عن الدعاء للوالدين حال حياتهما وبعد موتهما، والامتناع عن الاستغفار لهما.
  • الامتناع عن صلة أقارب وأصدقاء الوالدين.
  • عدم أداء ديون الوالدين، سواء كانت مادية أو معنوية.

البر بالوالدين بعد الوفاة

لا يقتصر الإحسان إلى الوالدين على حياتهما، بل يمتد إلى ما بعد وفاتهما. فمن البر بهما بعد الموت الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، والتصدق عنهما، وصلة رحمهما، وقضاء ديونهما، وإنفاذ وصاياهما. فكل هذه الأعمال تدخل في باب الإحسان إليهما وتزيد من أجرهما وترفع درجتهما في الجنة.

خاتمة

في الختام، يجب على كل مسلم أن يحرص على بر والديه والإحسان إليهما في حياتهما وبعد مماتهما، وأن يتجنب كل ما يغضبهما أو يؤذيهما. فالإحسان إلى الوالدين من أعظم القربات إلى الله تعالى، وهو سبب للسعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة. فاحرصوا على أن تكونوا من الأبناء البارين الذين يسعون إلى رضا الله تعالى ورضا الوالدين، وينعمون بالرزق والبركة في حياتهم، واحذروا كل الحذر من التقصير في حق الوالدين، فعاقبته وخيمة، ولا يوجد في الحياة أجمل من رضا الله ورضا الوالدين.

Exit mobile version