فهرس المحتويات
خصائص العمل في الإسلام |
العمل بمثابة عبادة |
كسب الرزق من خلال العمل |
الأمن الاجتماعي ودوره |
تقييم العمل في المجتمع |
المراجع |
خصائص العمل في الإسلام: مفهوم شامل
يُعتبر العمل في الإسلام أكثر من مجرد وسيلة لكسب المال وتوفير احتياجات الأسرة. فهو جوهرٌ أساسيٌّ في حياة المسلم، يمتدّ تأثيره إلى جوانبٍ روحية واجتماعية واقتصادية. فهو جهدٌ يبذله الإنسان، جسديًا كان أو عقليًا، للحصول على منفعة مادية أو معنوية. [1]
العمل: عبادةٌ تقرّب إلى الله
يُعدّ العمل في الإسلام عبادةً بحد ذاته، فهو امتثالٌ لأمر الله تعالى في عمارة الأرض وسعيًا في تحقيق الخير. يقول الله -تعالى- : (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون) [2]. وقد فسّر قتادة هذه الآية بقوله: “ما جَعَلَنا اللهُ خلائفَ إِلا لينظر إِلى أعمالنا، فأرُوا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنّهار”. [3] فالعمل هنا ليس مجرد وظيفة، بل هو جزءٌ من رسالة الإنسان في الحياة، ووسيلةٌ لتطبيق تعاليم الإسلام في واقع الحياة. كما أن ترك العمل يُعتبر تقصيرًا يُفضي إلى ضياعٍ للنفس والأهل، مما يُوجب تحمل المسؤولية عن ذلك الإهمال. فإن ترك العمل يُعَدّ إثمًا، يزداد حجمه بقدر ما يُلحق الضرر بالأسرة التي تعتمد عليه في معيشتها. يقول الله -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُون) [4].
العمل: سبيلٌ لكسب الرزق الحلال
يُعتبر العمل وسيلةً رئيسيةً لكسب الرزق الحلال في الإسلام. وقد حثّ الله تعالى على السعي في تحصيل الرزق، مُقترنًا بالعبادة والشكر، كما في قوله -تعالى-: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ) [5]. كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثنى على الطعام الذي يُكسبه الإنسان من عمل يديه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما أكل أحدٌ منكم طعاماً طعاماً في الدنيا خير له من أن يأكل من عمل يده). [6] وحتى الأنبياء -عليهم السلام- كانوا يعملون ويكسبون رزقهم بأيديهم، مثل سيدنا يوسف -عليه السلام- الذي طلب العمل في قوله: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ) [7]، وسيدنا داود -عليه السلام- الذي علّمه الله -تعالى- صناعة اللباس (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ) [8]، وكما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من نبي إلا ورعى الغنم) [10]. كما عمل زكريا -عليه السلام- بالنجارة. [11] وقد فهم الصحابة -رضي الله عنهم- أهمية العمل في كسب الرزق، كما جاء في قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تُمطر ذهباً ولا فضة، وإن الله -تعالى- إنما يرزق الناس بعضهم من بعض”. [12]
العمل: ركيزةٌ أساسية للأمن الاجتماعي
يُسهم العمل بشكلٍ كبير في تحقيق الأمن الاجتماعي والاستقرار الأسري. فهو يمنع انتشار الظواهر السلبية كالسرقة والتسول. وقد حثّ الإسلام على العمل مهما كان بسيطًا، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ). [13] فالعمل يُمكن الفرد من توفير احتياجاته واحتياجات أسرته، ويُحوّله من مستهلكٍ إلى مُنتجٍ فاعلٍ في المجتمع. ويُعتبر العمل أفضل من الاعتماد على الصدقات والمعونات.
مكانة العمل في تقدير المجتمع
يُحترم العمل في المجتمع الإسلامي مهما كانت بساطته، ويُقدر العامل مهما كان عمله متواضعًا. فالعمل يُعدّ من المقاييس التي يُحاسَب بها الإنسان في المجتمع. وقد أثنى الله -تعالى- على من جمع بين العمل والعبادة في قوله: (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ). [14] كما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- اليد التي تُعطي بأنها يدٌ عليا، واليد التي تعتمد على سؤال الناس بأنها يدٌ سفلى. قال -صلى الله عليه وسلم-: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى). [15] وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يُقدّر الرجل الذي يملك حرفةً أو صنعة، ويُقلل من شأن من لا يملك ذلك، قائلاً: “إِنِّي لأرَى الرجل فَيُعْجِبنِي فَأَقُول هَل لَهُ حِرْفَة فَإِن قَالُوا لَا سقط من عَيْني”. [16]