فضل الصلاة في المسجد النبوي وآداب الزيارة

استكشف فضل الصلاة في المسجد النبوي وأحكام زيارته، بالإضافة إلى السنن والآداب المتعلقة بزيارة هذا المكان المبارك والروضة الشريفة.

أهمية الصلاة في المسجد النبوي

تعتبر زيارة المسجد النبوي من الأمور المستحبة في الشريعة الإسلامية، ويمكن القيام بها في أي وقت من العام، ولا ترتبط بموسم الحج أو العمرة. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ولَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، ومَسْجِدِ الأقْصَى، ومَسْجِدِي هذا). ومن السنة أن يصلي الزائر ركعتين في الروضة الشريفة، ثم يتوجه للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم يزور البقيع للسلام على الصحابة والشهداء المدفونين هناك، والدعاء لهم.

إذا نوى المسلم الحج أو العمرة وأراد زيارة المسجد النبوي، فإنه ينبغي أن ينوي زيارة المسجد نفسه، لا زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص؛ لأن السفر لا يكون إلا للمساجد الثلاثة، وليس لزيارة القبور بذاتها.

ومن فضائل الصلاة في المسجد النبوي أنها تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد، باستثناء المسجد الحرام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاةٌ في مَسْجِدِي أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فِيما سِواهُ إلا المسجِدَ الحرامَ). كما يعتبر المسجد النبوي أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال.

الصلاة في المسجد النبوي ووجود القبر الشريف

يجوز أداء الصلاة في المسجد النبوي بلا خلاف بين العلماء؛ لأنه مسجد قام على أساس التقوى. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد نفسه، بل في حجرة زوجته عائشة رضي الله عنها، والتي كانت محاطة بثلاثة جدران في زاوية ليست تماماً باتجاه القبلة. وقد تم توسيع المسجد النبوي في عهد الوليد بن عبد الملك، مما أدى إلى إدخال الحجرة النبوية ضمن حدود المسجد.

مكانة الصلاة في الروضة المباركة

أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجود مكان في مسجده يسمى “الروضة”، وهي المنطقة الواقعة بين بيته ومنبره، كما جاء في الحديث الشريف: (ما بيْنَ بَيْتي ومِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الجَنَّةِ). وفي بعض الروايات، يحدد مكانها بين قبر النبي ومنبره. وقد ذهب الإمام مالك إلى أن المقصود بـ “بيتي” هو بيت عائشة رضي الله عنها، وهو الرأي الذي عليه العمل الآن.

وقد اختلف العلماء في تفسير معنى الروضة، فمنهم من قال إن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، ومنهم من قال إن هذا المكان سينقل إلى الجنة في الآخرة. ويرى فريق آخر أن جلوس الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وتعلمهم منه في هذا المكان كان بمثابة روضة، ونسبتها إلى الجنة إشارة إلى مآلها.

ونظراً لهذه الفضائل، يحرص المسلمون على الصلاة في الروضة الشريفة، وذلك في غير صلاة الجماعة. أما في صلاة الجماعة، فينبغي الحرص على الصلاة في الصف الأول، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلُها)، والصف الأول هو الصف الذي يلي الإمام مباشرة.

ضوابط وآداب زيارة المسجد النبوي

يرى جمهور العلماء استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بينما يرى الحنفية أنها سنة مؤكدة قريبة من الواجب، ويرى بعض المالكية وجوبها. ومن الأدلة الشرعية على مشروعية زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من زارَني بعدَ موتي فَكأنَّما زارَني في حَياتي).

ويجب على الزائر أن يتجنب بعض المخالفات، ومنها:

  • السفر بقصد زيارة القبر تحديداً، والأصل أن يكون السفر لزيارة المسجد والصلاة فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ المسجدِ الحرامِ ومسجدي هذا والمسجدِ الأقصى).
  • زيارة القبر بعد كل صلاة أو عند الدخول والخروج من المسجد، ورفع اليدين بالدعاء عنده، أو استقباله من بعيد مع السلام عليه وسؤاله قضاء الحاجات؛ فهذا من أنواع الشرك الأكبر.
  • زيارة المرأة للقبور، وهي مسألة خلافية بين الفقهاء، والأصل جوازها مع مراعاة الضوابط الشرعية: عدم الخروج متعطرة أو متزينة، وعدم الاختلاط بالرجال، والخروج مع أحد محارمها إذا كانت المقبرة بعيدة، والالتزام بالسكينة، وأن يكون القصد أخذ العبرة والعظة، وأن يكون الخروج بإذن الزوج، وتكون الزيارة محرمة على المرأة في العدة.

سنن وآداب نبوية عند زيارة المسجد

لزائر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جملة من السنن والآداب، منها: الدخول بالرجل اليمنى، وقراءة دعاء دخول المسجد: (بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذُ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسُلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللَّهمَّ افتح لي أبوابَ رحمتك)، ثم الخروج بالرجل اليسرى، وقول: (افتَحْ لي أبوابَ فضلك). ويستحب صلاة ركعتين، والدعاء فيهما بما شاء، والأفضل أن يكون ذلك في الروضة إن تيسر، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والسلام عليهم جميعاً، والجمع بين الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

ويستحسن للمسلم أن يستغل وقته بالمحافظة على صلاة الفريضة في المسجد، والإكثار من الذكر والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويسن لمن وصل المدينة زيارة مسجد قباء؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْتي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا ومَاشِيًا فيُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ).

ولا يشرع التمسح بالحجرة النبوية أو تقبيلها أو الطواف بها، ولا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الحوائج أو تفريج الكربات؛ لأنها لا تسأل إلا من الله. ويلزمه التأدب في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يرفع صوته في المسجد، ولا يطيل البقاء عنده، وأن لا يكثر من السلام عليه؛ لأنه قد يؤدي إلى كثرة الزحام وارتفاع الصوت عند قبره.

وإذا أراد المسلم الرجوع إلى وطنه، فإنه يستحب له توديع المسجد النبوي بصلاة، ثم يدعو بعدها بما شاء، ثم يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله أن يصل إلى أهله سالماً، وأن لا يكون هذا آخر عهده بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو أن يرده الله إلى مسجده في عافية.

لمحة عن تاريخ المسجد النبوي

المسجد لغةً هو المكان الذي يسجد فيه، وكل مكان يتعبد فيه ويسجد فيه فهو مسجد. أما المسجد النبوي اصطلاحاً فهو المسجد الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة عندما هاجر إليها من مكة المكرمة، ويعتبر ثاني الحرمين الشريفين.

بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كان يصلي حيث تدركه الصلاة، وبعد أسبوعين بدأ بالبحث عن مكان مناسب لبناء المسجد؛ ليؤمن للأمة مستقبلها، ويدير أمورها.

وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم المكان الذي جلست فيه ناقته أثناء البحث، وهو مكان لغلامين يتيمين يقيمان عند الصحابي أسعد بن زرارة، وكان هذا المكان مخصصاً لتجفيف التمر. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أسياد بني النجار الحضور مع الغلامين؛ ليشتري منهم أرضهم، وعرض عليهم رأيه، وسألهم عما يريدونه ثمناً لها، فرفضوا أخذ الثمن، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض ذلك، وأعطاهم ثمناً مناسباً لها، ثم بدأ مع الصحابة الكرام ببناء المسجد؛ فبدأوا بتقطيع النخيل، وتسوية الأرض، وصف الحجارة باتجاه القبلة (وكانت حينها نحو بيت المقدس)، وكانت السعادة تغمر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بهذا العمل، وتمكن الصحابة من بناء المسجد خلال فترة قصيرة، وكانت السواري من جذوع النخيل، والسقف مغطى بالجريد وسعف النخل. وقد كان المسجد مكاناً لاجتماع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فيما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم كلها، كالصلاة، والحكم والقضاء، وإدارة الدولة وتنظيم شؤون المسلمين، وتعليم الكتابة والقراءة.

Total
0
Shares
المقال السابق

فضل ومكانة الصلاة في المسجد الحرام

المقال التالي

تأويل رؤيا الصلاة في الأحلام

مقالات مشابهة