مقدمة
إن ذكر الله تعالى من أعظم العبادات التي تقرب العبد إلى ربه، وتزكي نفسه، وتطهر قلبه. ومن الأوقات الفاضلة التي يُستحب فيها ذكر الله تعالى هو ما بعد الصلوات المفروضة. ففي هذه الأوقات المباركة، يتوجه المسلم إلى ربه بالدعاء والتسبيح والتحميد والتكبير، امتثالًا لأمر الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
سنتناول في هذا المقال أهمية الذكر بعد الصلاة، مع التركيز على التسبيح، وأنواعه، وفضائله، وكيفية عدّه، وما ورد في السنة النبوية المطهرة من أقوال وأفعال.
الصيغ المأثورة للذكر بعد الصلاة
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة صيغ للذكر بعد الصلاة، وكلها مشروعة ومستحبة. وفيما يلي بعض هذه الصيغ مع بيان عدد مرات تكرارها:
التسبيح والتحميد والتكبير (عشر مرات)
يسبح المسلم عشر مرات، ويحمد الله عشر مرات، ويكبر الله عشر مرات. وقد ورد في الحديث الشريف:
“(تُسَبِّحُونَ في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وتُكَبِّرُونَ عَشْرًا).”
[رواه البخاري ومسلم]التسبيح والتحميد والتكبير وقول “لا إله إلا الله” (خمس وعشرون مرة)
يسبح المسلم ويحمد ويكبر خمساً وعشرين مرة، ثم يقول “لا إله إلا الله” خمساً وعشرين مرة، ويكرر ذلك حتى يتم المئة.
التسبيح والتحميد والتكبير وقول “لا إله إلا الله” (ثلاث وثلاثون مرة)
يسبح ويحمد ويكبر ثلاثاً وثلاثين مرة، ثم يتم المائة بقول “لا إله إلا الله”. وهذا ما ورد في الحديث الصحيح:
“(مُعَقِّباتٌ لا يَخِيبُ قائِلُهُنَّ، أوْ فاعِلُهُنَّ، دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثَلاثٌ وثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً، وثَلاثٌ وثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً، وأَرْبَعٌ وثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً).”
[رواه مسلم]التسبيح والتحميد والتكبير (ثلاث وثلاثون/أربع وثلاثون مرة)
يسبح ويحمد الله ثلاثًا وثلاثين مرة، ويكبر أربعًا وثلاثين مرة، مستندين في ذلك إلى:
“(أُمِروا أن يسبِّحوا دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ، ويحمَدوا ثلاثًا وثلاثينَ، ويُكَبِّروا أربعًا وثلاثينَ).”
[رواه أبو داود]الأجر العظيم للذكر بعد الصلاة
للتسبيح والذكر بعد الصلاة فضائل جمة، منها:
مغفرة الذنوب
التسبيح بعد الصلاة سبب لمغفرة الذنوب، حتى وإن كانت كثيرة، كما ورد في الحديث:
“(غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ).”
[رواه مسلم]اقتداء بالصالحين
الذكر بعد الصلاة من أفعال الصالحين، كما بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث قال:
“(ألا أُحَدِّثُكُمْ إنْ أخَذْتُمْ أدْرَكْتُمْ مَن سَبَقَكُمْ ولَمْ يُدْرِكْكُمْ أحَدٌ بَعْدَكُمْ، وكُنْتُمْ خَيْرَ مَن أنتُمْ بيْنَ ظَهْرانَيْهِ إلَّا مَن عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وتَحْمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ).”
[رواه البخاري]الذكر بمثابة الصدقة
كل تسبيحة وتحميدة وتكبيرة بمثابة صدقة يتصدق بها المسلم على نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“(إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً).”
[رواه مسلم]استخدام الأنامل في عد التسبيح
يُستحب عد التسبيح بالأنامل، وهي أصابع اليدين، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الترغيب في ذلك، حيث قال:
“(عليكن بالتسبيحِ والتهليلِ والتَّقْديسِ، واعْقِدْنَ بالأناملِ؛ فإنهن مَسْؤُولاتٌ مُسْتَنْطَقاتٌ، ولا تَغْفُلْنَ؛ فتَنْسَيْنَ الرحمةَ)”
[رواه الترمذي]ويجوز أيضًا استخدام الحصى أو النوى للعد، كما ورد في بعض الآثار، إلا أن استخدام الأنامل هو الأفضل والأولى بالاتباع.
وقد روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
أن النبيّ دخل على امرأة تسبّح بالحصى أو النوى بين يديها، فقال لها رسول الله:
“(ألا أخبرُكِ بما هوَ أيسرُ عليكِ من هذا أو أفضلُ؟ فقال: سُبحانَ اللَّهِ عددَ ما خلقَ في السَّماءِ، وسُبحانَ اللَّهِ عددَ ما خلقَ في الأرضِ، وسبحانَ اللَّهِ عددَ ما بينَ ذلِكَ، وسبحانَ اللَّهِ عددَ ما هوَ خالقٌ، واللَّهُ أَكْبرُ مثلَ ذلِكَ، والحمدُ للَّهِ مثلَ ذلِكَ، ولا إلهَ إلَّا اللَّهُ مثلَ ذلكَ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ مثلَ ذلِكَ).”
[رواه الترمذي]خلاصة
إن الذكر بعد الصلاة من السنن المؤكدة التي ينبغي على المسلم المحافظة عليها، لما فيها من فضل عظيم وأجر جزيل. فلنحرص على اغتنام هذه الأوقات المباركة في ذكر الله تعالى، وتسبيحه، وتحميده، وتكبيره، ودعائه، لعل الله يغفر لنا ذنوبنا، ويرفع درجاتنا، ويجعلنا من عباده الصالحين.