فضل الدعاء في شهر رمضان المبارك

استكشاف أهمية الدعاء وفضائله في شهر رمضان، مع بيان الأوقات المستحبة وشروط الإجابة، ونصائح لتعزيز الاستجابة.

مقدمة عن أهمية الدعاء في رمضان

الحمد لله الذي يجيب دعوة المضطر، ويكشف الكرب عن المهموم، له الحمد كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأصلي وأسلم على النبي الأمين، خير من دعا ربه وتضرع إليه، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

التأكيد على تقوى الله سبحانه وتعالى

يا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين، والتقوى هي امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وهي سبيل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. كما قال أسلافنا الصالحون: “الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”. فاحرصوا على تقوى الله في كل حال، فقد قال تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).

لمحة عن فضل شهر رمضان للدعاء

أيها المسلمون، إن شهر رمضان المبارك هو شهر الدعاء والتقرب إلى الله، وهو فرصة عظيمة للمسلم لكي يكثر من الدعاء والتضرع إلى الله، ففيه تفتح أبواب السماء، وتستجاب الدعوات. إن الدعاء في رمضان عبادة عظيمة، وهو من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه. وهو الوقت الأمثل لتغيير الأقدار، وتحقيق الأمنيات، والنجاة من المهالك.

الدعاء هو: “التوجه إلى الله بالطلب والرغبة فيما عنده من الخير”. وهو الصلة المباشرة بين العبد وربه، يعبر فيها العبد عن ضعفه وحاجته إلى الله، ويظهر فيها افتقاره إلى رحمته وكرمه. والدعاء من جوهر العبودية لله تعالى، وهو دليل على إيمان العبد بربه، وتوكله عليه، وتفويضه الأمر إليه.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(الدُّعاءُ هوَ العبادةُ قَالَ رَبُّكُمُ ادعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وهذا دليل على مكانة الدعاء العظيمة عند الله تعالى، وأنه من أفضل القربات إليه.

شهر رمضان هو من أرجى الأوقات لإجابة الدعاء، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وفيه أوقات يستجاب فيها الدعاء، مثل: دعوة الصائم عند فطره، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم-:(ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصَّائمُ حتَّى يُفطِرَ والإمامُ العَدلُ ودعوةُ المظلومِ)، وهذا يدل على فضل الصائم عند الله تعالى، وأن دعوته مستجابة ما دام صائماً.

الصائم يكون أقرب إلى الله تعالى، لأن الطاعات تزيد الإيمان، وتقرب العبد من ربه، وعندما يكون الصائم ضعيفاً منكسراً بسبب الجوع والعطش، يكون أكثر قرباً من إجابة الدعاء.

يستجاب الدعاء في أوقات معلومة، ومنها: بين الأذان والإقامة، وبعد الصلوات المفروضة، وفي الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا ليجيب دعاء السائلين. ويستجاب الدعاء كذلك في ليلة القدر المباركة، وفي السجود، حيث يكون العبد أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد.

فعلى المسلم أن يحرص على هذه العبادة العظيمة، وأن يكثر من الدعاء ومناجاة الله تعالى في شهر رمضان، لما فيه من الخير العظيم. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

الدعاء ينفع العبد سواء عجلت الإجابة في الدنيا أو ادخرت له في الآخرة، وهو عبادة يؤجر عليها العبد، ولإجابة الدعاء شروط يجب على الداعي أن يلتزم بها، وهي: الإخلاص لله تعالى في الدعاء، وحسن الظن بالله تعالى، واليقين بالإجابة، لأن الشك في إجابة الدعاء هو شك في وعد الله الصادق (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

من أسباب وشروط إجابة الدعوة كذلك عدم الاستعجال، وعدم القول: “قد دعوت فلم يستجب لي”. ومن شروط وأسباب إجابة الدعاء إطابة الطعام، فمن أكل الحرام فكيف يستجاب له دعاؤه؟ وفي الحديث(ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!).

كم من ظالم لا يستحي من الله يظلم هذا ويأكل مال هذا بالباطل ويعتدي على الناس ثم يرفع يديه يدعو الله، ألا يستحي هذا العبد من ربه، يعصيه ثم يسأله ويدعوه!! فاتقوا الله يا عباد الله وأدوا الحقوق ولا تظالموا، فرمضان فرصة للإقبال على الله والرجوع إلى طاعته، والبعد عن معصيته.

للدعاء آداب ينبغي للمسلم أن يراعيها، والالتزام بها حري بأن يجعل الدعاء مستجاباً، ومن هذه الآداب: تعظيم الله بحمده وتمجيده بأسمائه وصفاته، ودعائه بالافتقار إلى هذه الصفات التي لديه سبحانه، ثم الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند الدعاء في مقدمته أو آخره أو في كلا الحينين.

من آداب الدعاء كذلك: الوضوء واستقبال القبلة، ورفع اليدين بتذلل وافتقار معلناً برفع يديه تذلله لله تعالى، وأن يقدم عملاً صالحاً بين يدي الدعاء وأن يدعو الله بحضور قلب وخضوع لله، والتأدب مع الله بعدم رفع الصوت واختيار ما يليق بحاجته في الدعاء مع أسماء الله الحسنى، فكل هذه الآداب حري بها إن اجتمعت في الداعي أن تستجاب دعوته.

نظرة أخرى في أهمية الدعاء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اعلموا عباد الله أن للدعاء موانع تمنع من إجابته، ومن هذه الموانع: فعل الأمور المحظورة، وترك الواجبات المأمورة، وعلى رأس المعاصي أكل الحرام، والاستعجال بقوله لم يستجب الله لي وترك الدعاء، والدعاء بالإثم أو بقطيعة الرحم فكل ذلك مما يمنع من إجابة الدعاء.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد امتثالاً لقوله -تعالى-:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

لبيك اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أدعية مستحبة

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مبتلىً ببلاء إلا عافيته.

اللهم اجعلنا ممن إذا دعاك أجبته، وإذا سألك أعطيته، وإذا دعاك لبيته؛ فأنت القريب المجيب وأنت الكريم سبحانك، إلهنا ما خاب من دعاك ولا رُدَّ من رجاك، ولا شقي من طلب هداك.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.

عباد الله:(إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ).

فاذكروا الله يذكركم وأقم الصلاة.

المراجع

  1. سورة آال عمران، آية:102
  2. الشعراوي،تفسير الشعراوي، صفحة 8395. بتصرّف.
  3. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:1479 ، صحيح.
  4. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3428 ، صحيح.
  5. سعود بن وهف القحطاني،شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 52-68. بتصرّف.
  6. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم:1819، صحيح.
  7. سورة غافر، آية:60
  8. أبتسعود العقيلي،الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح، صفحة 33-37. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1015، صحيح.
  10. أبسعود بن وهف القحطاني،شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 34-52. بتصرّف.
  11. سعيد بن وهف القحطاني،شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 27-33. بتصرّف.
  12. سورة الأحزاب، آية:56
  13. سورة النحل، آية:90
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

التهيؤ لشهر رمضان: استقبال فضائل الشهر الكريم

المقال التالي

فضائل الصبر وأهميته في الإسلام

مقالات مشابهة