رضا الخالق في إرضاء الوالدين
إن إرضاء الوالدين هو طريق مباشر لنيل رضا الله سبحانه وتعالى. فالله عز وجل يبارك في حياة من يحسن إلى والديه ويرضى عنه، والإحسان إليهما هو سبب من أسباب دخول الجنة. هذا الفضل ليس مقتصراً على الذكور دون الإناث، ولا على الصغار دون الكبار، بل هو واجب على الجميع، سواء كانوا أبناءً أو بنات، صغاراً أو كباراً، يجب عليهم جميعاً أن يحرصوا على الإحسان إلى والديهم وتقديم الرعاية والخدمات اللازمة لهما بصبر ومحبة.
دور الإحسان في تماسك المجتمع
الأب والأم بذلا جهوداً مضنية في سبيل تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة. لذلك، من واجب الأبناء رد الجميل والعرفان لهما. فكما كانا السند والعون في الصغر، يجب على الأبناء أن يكونوا سندهما في الكبر، وذلك من خلال الإنفاق عليهما، وزيارتهما بانتظام، وتلبية احتياجاتهما، والحرص على نيل رضاهما، والاطمئنان على راحتهما، والدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما. الإحسان إلى الوالدين لا يقتصر على الأقوال، بل يجب أن يتجسد في الأفعال والأعمال.
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
الإحسان إلى الوالدين وخدمتهما يتطلبان صبراً وتفانياً وبذل الجهد، فالوالدان يكنّان لأبنائهما حباً عظيماً وغير مشروط، ويشعران بعاطفة جياشة وحنان ومسؤولية دائمة تجاههم حتى آخر لحظة في حياتهما. لذلك، فإن رد هذا الجميل له ثواب وأجر عظيم عند الله، وقد أوصانا به الله عز وجل وأخبرنا بأهميته سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: “ثلاثةٌ قد حرَّمَ اللهُ عليهم الجنةَ: مُدمنُ الخمرِ، والعاقُّ، والدَّيُّوثُ الذي يُقِرُّ في أهلِهِ الخُبْثَ”
فالإحسان إلى الوالدين هو قيمة إنسانية عظيمة تسهم في بناء مجتمعات قوية ومتماسكة. وقد أكدت جميع الشرائع السماوية على أهمية هذه القيمة ودورها في الحفاظ على الأخلاق الفاضلة.
الإحسان إلى الوالدين طريق التوفيق
جبر خاطر الوالدين من أعظم الأعمال التي حث عليها الدين الإسلامي. فالمعاملة السيئة لهما قد تكون سبباً في إغلاق أبواب التوفيق والنجاح والرزق. فطاعة الوالدين هي طاعة لله، فإذا كان الأب والأم بحاجة إلى المال، فمن واجب الأبناء مساعدتهما. وإذا كانا يعانيان من ضيق أو حزن، فيجب البحث عن السبب وراء ذلك والسعي لإسعادهما. وحتى إن لم يكن الأبناء قادرين على فعل شيء ملموس، فإن الدعاء لهما يعتبر جزءاً من الطاعة والإحسان.
طاعة الوالدين واجبة في جميع الأمور إلا إذا كانت تتضمن معصية لله. ففي قصة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عندما أسلم حاولتالدة رده عن الإسلام وإعادته إلى دين أجداده، حتى إنها امتنعت عن الطعام والشراب وكادت تهلك. ولكن سعداً رضي الله عنه لم يرضَ بالرجوع عن الإسلام، وفي الوقت نفسه ظل يحسن إلى أمه ويطيعها كما أمره الله تعالى.
الإحسان إلى الوالدين هو مفتاح التوفيق والفرج والسعادة في الدنيا والآخرة، وخاصة الأم التي تحملت المشاق والتعب والسهر في سبيل تربية أولادها. يقول الشاعر حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها *** أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيابِ *** الرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الإحسان إلى الوالدين ينعكس على الأبناء
إن إحسانك إلى والديك سيكون له أثر كبير على أبنائك، فهم سيتعلمون منك قيمة الإحسان والبر بالوالدين، وسيسعون لتقليدك في خدمة والديك ورعاية شؤونك في المستقبل. سيقدمون لك نفس البر والإحسان والاهتمام الذي قدمته أنت لوالديك. أما الابن العاق، فلن يجد من أبنائه إلا العقوق. فالخير يعود على أصحابه بالخير، والشر يعود عليهم بالشر. وكما يقال: “بر الوالدين قصة تكتبها أنت ويرويها لك أبناؤك”.
المصادر
- سورة النساء، آية: 36
- رواه أحمد شاكر، في تخريج المسند لشاكر، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:7/198.